الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } * { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } * { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } * { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } * { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ }

والمعنى إننا لم نخلق السماوات والأرض وما بينهما من مخلوقات لا يعلمها إلا الله، لم نخلق ذلك عبثا، وإنما خلقنا هذه المخلوقات بحكمتنا السامية، وقدرتنا النافذة، ومشيئتنا التى لا يقف فى وجهها شىء. وقوله - تعالى - { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } استئناف مقرر لمضمون ما قبله، من أن خلق السماوات والأرض وما بينهما لم يكن عبثا، وإنما لحكم بالغة، مستتبعة لغايات جليلة، ومنافع عظيمة. و " لو " هنا حرف امتناع لامتناع. أى امتناع وقوع فعل الجواب لامتناع وقوع فعل الشرط. واللهو الترويح عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة، ولا يتناسب مع الجد، وهو قريب من العبث الباطل تقول لهوت بهذا الشىء ألهو لهوا، إذا تشاغلت به عن الجد، ويطلقه بعضهم على الولد والزوجة والمرأة. أى لو أردنا - على سبيل الفرض والتقدير - أن نتخذ ما نتلهى به، لاتخذناه من عندنا ومن جهتنا دون أن يمنعنا أحد مما نريده ولكنا لم نرد ذلك لأنه مستحيل علينا استحالة ذاتية، فيستحيل علينا أن نريده. فالآية الكريمة من باب تعليق المحال على المحال، لأن كلا الأمرين يتنافى مع حكمة الله - تعالى - ومع ذاته الجليلة. وقوله { إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } تأكيد لامتناع إرادة اللهو، و { أَن } نافية، أى ما كنا فاعلين ذلك، لأن اتخاذ اللهو يستحيل علينا. وقوله - سبحانه - { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } إضراب عن إرادة اتخاذ اللهو، وإثبات لما تقتضيه ذاته - تعالى - مما يخالف ذلك. والقذف الرمى بسرعة. والاسم القذاف - ككتاب -، وهو سرعة السير، ومنه قولهم ناقة قذاف - بكسر القاف - إذا كانت متقدمة على غيرها فى السير. ويدمغه أى، يمحقه ويزيله، قال القرطبى وأصل الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ. أى ليس من شأننا أن نتخذ لهوا، وإنما الذى من شأننا وحكمتنا، أن نلقى بالحق الذى أرسلنا به رسلنا، على الباطل الذى تشبث به الفاسقون { فَيَدْمَغُهُ } أى فيقهره ويهلكه ويزيله إزالة تامة. والتعبير القرآنى البليغ، يرسم هذه السنة الإلهية فى صورة حسية متحركة حتى لكأنما الحق قذيفة تنطلق بسرعة فتهوى على الباطل فتشق أم رأسه، فإذا هو زاهق زائل. قال الآلوسى وفى إذا الفجائية، والجملة الإِسمية، من الدلالة على كمال المسارعة فى الذهاب والبطلان مالا يخفى، فكأنه زاهق من الأصل. وقوله - تعالى - { وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } وعيد شديد لأولئك الكافرين الذين نسبوا إلى الله - تعالى - مالا يليق به، ووصفوه بأن له صاحبة وولداسُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } أى ولكم - أيها الضالون المكذبون - الويل والهلاك، من أجل وصفكم له - تعالى - بما لا يليق بشأنه الجليل.

السابقالتالي
2