الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } * { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } * { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } * { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً }

أى قال موسى - عليه السلام - للسامرى { مَا خَطْبُكَ } أى ما شأنك، وما الأمر العظيم الذى جعلك تفعل ما فعلت؟ مصدر خطب يخطب - كقعد يقعد - ومنه قولهم هذا خطب يسير أو جلل، وجمعه خطوب. وخصه بعضهم بما له خطر من الأمور، وأصله الأمر العظيم الذى يكثر فيه التخاطب والتشاور، ويخطب الخطيب الناس من أجله. وقد رد السامرى على موسى بقوله { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أى علمت ما لم يعلمه القوم، وفطنت لما لم يفطنوا له، ورأيت ما لم يروه. قال الزجاج يقال بصر بالشىء يبصر - ككرم وفرح - إذا علمه، وأبصره إذا نظر إليه. وقيل هما بمعنى واحد. { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا } روى أن السامرى رأى جبريل - عليه السلام - حين جاء إلى موسى ليذهب به إلى الميقات لأخذ التوراة عن الله - عز وجل - ولم ير جبريل أحد غير السامرى من قوم موسى، ورأى الفرس كلما وضعت حافرها على شىء اخضرت، فعلم أن للتراب الذى تضع عليه الفرس حافرها شأنا، فأخذ منه حفنة وألقاها فى الحلى المذاب فصار عجلا جسدا له خوار. والمعنى قال السامرى لموسى علمت ما لم يعلمه غيرى فأخذت حفنة من تراب أثر حافر فرس الرسول وهو جبريل - عليه السلام - فألقيت هذه الحفنة فى الحلى المذاب، فصار عجلا جسدا له خوار. { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } أى ومثل هذا الفعل سولته لى نفسى، أى زينته وحسنته لى نفسى، لأجعل بنى إسرائيل يتركون عبادة إلهك يا موسى، ويعبدون العجل الذى صنعته لهم. وعلى هذا التفسير الذى سار عليه كثير من المفسرين، يكون المراد بالرسول جبريل - عليه السلام - ويكون المراد بأثره التراب الذى أخذه من موضع حافر فرسه. هذا، وقد نقل الفخر الرازى عن أبى مسلم الأصفهانى رأيا آخر فى تفسير الآية فقال ما ملخصه ليس فى القرآن ما يدل على ما ذكره المفسرون، فهنا وجه آخر، وهو أن يكون المراد بالرسول موسى - عليه السلام - وبأثره سنته ورسمه الذى أمر به، فقد يقول الرجل فلان يقص أثر فلان ويقتص أثره إذا كان يمتثل رسمه، والتقدير أن موسى لما أقبل على السامرى بالتوبيخ وبسؤاله عن الأمر الذى دعاه إلى إضلال القوم بعبادة العجل، رد عليه بقوله بصرت بما لم يبصروا به، أى عرفت أن الذى أنتم عليه ليس بحق، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول، أى أخذت شيئا من علمك ودينك فنبذته، أى طرحته... وعلى هذا التفسير الذى ذهب إليه أبو مسلم يكون المراد بالرسول موسى - عليه السلام - ويكون المراد بأثره دينه وسنته وعلمه.

السابقالتالي
2 3 4