الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } * { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } * { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } * { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً }

هذه الآيات الكريمة تحكى قصة ملخصها أن موسى عليه السلام بعد أن أهلك الله - تعالى - فرعون وجنوده، سار ببنى إسرائيل متجها ناحية جبل الطور، ثم تركهم مستخلفا عليهم أخاه هارون، وذهب لمناجاة ربه ومعه سبعون من وجهائهم، ثم عجل من بينهم شوقا للقاء ربه، فأخبره - سبحانه - بما أحدثه قومه فى غيبته عنهم. وجملة { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } مقول لقول محذوف. والمعنى وقلنا لموسى أى شىء جعلك تتعجل المجىء إلى هذا المكان قبل قومك وتخلفهم وراءك، مع أنه ينبغى لرئيس القوم أن يتأخر عنهم فى حالة السفر، ليكون نظره محيطا بهم ونافذا عليهم؟. فأجاب معتذرا لربه - تعالى - بقوله { هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي } أى على مقربة منى، وسيلحقون بى بعد زمن قليل { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } أى وقد حملنى على أن أحضر قلبهم، شوقى إلى مكالمتك - يا إلهى - وطمعى فى زيادة رضاك عنى. فموسى - عليه السلام - قد علل تقدمه على قومه فى الحضور بعلتين، الأولى أنهم كانوا على مقربة منه. والثانية حرصه على استدامة رضى ربه عنه. قال صاحب الكشاف فأن قلت { مَآ أَعْجَلَكَ } سؤال عن سبب العجلة، فكان الذى ينطبق عليه من الجواب أن يقال طلب زيادة رضاك أو الشوق فى كلامك. وقوله { هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي } كما ترى غير منطبق عليه؟. قلت قد تضمن ما واجهه به رب العزة شيئين أحدهما إنكار العجلة فى نفسها، والثانى السسؤال عن سببها الحامل عليها، فكان أهم الأمرين إلى موسى بسط العذر، وتمهيد العلة فى نفس ما أنكر عليه، فاعتل بأنه لم يوجد منى إلا تقدم يسير، مثله لا يعتد به فى العادة، ولا يحتفل به، وليس بينى وبين من سبقته إلا مسافة قريبة، يتقدم بمثلها الوفْدَ رئيسُهم ومقدمُهم. ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ }. وقوله - تعالى - { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } إخبار منه - سبحانه - بما فعله قومه بعد مفارقته لهم. وكلمة { فَتَنَّا } من الفَتْن ومعناه لغة وضع الذهب فى النار ليتبين أهو خالص أز زائف. والفتنة تطلق فى القرآن بإطلاقات متعددة منها الدخول فى النار كما فى قوله - تعالى -يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } ومنها الحجة كما فى قوله - تعالى -ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } ومنها الاختبار والامتحان، كما فى قوله - سبحانه -أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } ومنها الاضلال والاشراك، كما فى قوله - تعالى -وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ }

السابقالتالي
2 3 4