الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } * { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } * { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } * { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } * { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } * { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } * { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } * { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } * { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ }

فقوله - تعالى - { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ... } حكاية لما وجهه موسى - عليه السلام - من نصح وإنذار. قيل كان عددهم اثنين وسبعين، وقيل أكثر من ذلك. قال الجمل قوله { فَيُسْحِتَكُم } قرأ الأخوان وحفص عن عاصم فيسحتكم - بضم الياء وكسر الحاء -. وقرأ الباقون بفتحهما. فقراءة الأخوين من أسحت الرباعى، وهى لغة نجد وتميم، وقراءة الباقين من سحت الثلاثى - وبابه قطع - وهى لغة الحجازيين. وأصل هذه المادة. الدلالة على الاستقصاء، والنفاد، ومنه سحت الحالق الشعر، أى استقصاء فلم يترك منه شيئا، ويستعمل فى الإهلاك والإذهاب، ونصبه بإضمار أن فى جواب النهى. أى قال موسى - عليه السلام - للسحرة الذين التقى بهم وجها لوجه بعد أن حشدهم فرعون أمامه، فقال لهم الويل والهلاك لكم، لا تفتروا على الله - تعالى - كذبا، بأن تقفوا فى وجهى، وتزعموا أن معجزاتى هى نوع من السحر. فإنكم لو فعلتم ذلك أهلككم الله - تعالى - وأبادكم بعذاب عظيم من عنده. وجملة { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } معترضة لتقرير وتأكيد ما قبلها. أى وقد خاب وخسر كل من قال على الله - تعالى - قولا باطلا لا حقيقة له، وفرعون أول المبطلين المفترين الخاسرين، فاحذروا أن تسيروا فى ركابه، أو أن تطيعوا له أمرا. ويبدو أن هذه النصيحة الصادقة المخلصة كان لها أثرها الطيب فى نفوس بعض السحرة، بدليل قوله - تعالى - بعد ذلك { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } والنجوى المسارة فى الحديث. أى وبعد أن سمع السحرة من موسى نصيحته لهم وتهديده إياهم بالاستئصال والهلاك. إذا ما استمروا فى ضلالهم، اختلفوا فيما بينهم، { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } أى وبالغوا فى إخفاء ما يسارون به عن موسى وأخيه - عليهما السلام -. فمنهم من قال - كما روى عن قتادة - إن كان ما جاءنا به موسى سحرا فسنغلبه، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر. ومنهم من قال بعد أن سمع كلام موسى ما هذا بقول ساحر. ومنهم من أخذ فى حض زملائه المترددين على منازلة موسى - عليه السلام -، لأنه جاء هو وأخوه لتغيير عقائد الناس ولاكتساب الجاه والسلطان، ولسلب المنافع التى تأتى لهم أى للسحرة عن طريق السحر.. ويبدو أن هذا الفريق الأخير هو الذى استطاع أن ينتصر على غيره من السحرة فى النهاية، بدليل قوله - تعالى - بعد ذلك { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ }.

السابقالتالي
2 3 4 5