الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } * { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } * { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ } * { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } * { فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } * { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ }

وقوله - سبحانه - { وَلاَ تَنِيَا } فعل مضارع مصدره الونى - بفتح الواو وسكون النون - بمعنى الضعف والفتور والتراخى فى الأمر. يقال ونى فلان فى الأمر ينى ونيا - كوعد يعد وعدا - إذا ضعف وتراخى فى فعله. وقوله { أَخُوكَ } فاعل لفعل محذوف. أى وليذهب معك أخوك. والمراد بالآيات المعجزات الدالة على صدق موسى - عليه السلام -، وعلى رأسها عصاه التى ألقاها فإذا هى حية تسعى، ويده التى ضمها إلى جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء. والمعنى اذهب يا موسى أنت وأخوك إلى حيث آمركما متسلحين بآياتى ومعجزاتى، ولا تضعفا أو تتراخيا فى ذكرى وتسبيحى وتقديسى بما يليق بذاتى وصفاتى من العبادات والقربات. فإن ذكركما لى هو عدتكما وسلاحكما وسندكما فى كل أمر تقدمان عليه. فالآية الكريمة تدعو موسى وهارون، كما تدعو كل مسلم فى كل زمان ومكان إلى المداومة على ذكر الله - تعالى - فى كل موطن، بقوة لا ضعف معها وبعزيمة صادقة لا فتور فيها ولا كلال. وقد مدح - سبحانه - المداومين على تسبيحه وتحميده وتقديسه فى كل أحوالهم فقالإِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } قال صاحب الكشاف قوله { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } الونى الفتور والتقصير. أى لا تنسيانى ولا أزال منكما على ذكر حيث تقلبتما، واتخذا ذكرى جناحا تصيران به مستمدين بذلك العون والتأييد منى، معتقدين أن أمرا من الأمور لا يتمشى لأحد إلا بذكرى. ويجوز أن يريد بالذكر تبليغ الرسالة، فإن الذكر يقع على سائر العبادات، وتبليغ الرسالة من أجلها وأعظمها فكان جديرا بأن يطلق عليه اسم الذكر... وقال ابن كثير والمراد بقوله { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } أنهما لا يفتران فى ذكر الله، بل يذكران الله فى حال مواجهة فرعون، ليكون ذكر الله عونا لهما عليه، وقوة لهما. وسلطانا كاسرا له، كما جاء فى الحديث " إن عبدى كل عبدى الذى يذكرنى وهو مناجز قرنه ". ثم أرشدهما - سبحانه - إلى الوجهة التى يتوجهان إليها فقال { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ }. أى اذهبا إلى فرعون لتبلغاه دعوتى، ولتأمراه بعبادتى، فإنه قد طغى وتجاوز حدوده، وأفسد فى الأرض، وقال لقومه أنا ربكم الأعلى. وقال لهم - أيضا - ما علمت لكم من إله غيرى. قال الجمل وقوله { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } جمعهما فى صيغة أمر الحاضر مع أن هارون لم يكن حاضرا محل المناجاة بل كان فى ذلك الوقت بمصر - للتغليب فغلب الحاضر على غيره، وكذا الحال فى صيغة النهى. أى قوله { وَلاَ تَنِيَا } روى أنه - تعالى - أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى - عليه السلام - وقيل سمع بإقباله فتلقاه.

السابقالتالي
2 3 4