الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } * { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } * { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } * { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } * { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } * { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي }

قوله - سبحانه - { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } حكاية لما رد الله - تعالى - به على نبيه موسى - عليه السلام - بعد أن تضرع إليه بتلك الدعوات النافعات. والسؤال هنا بمعنى المسئول، كالأكل بمعنى المأكول. قال الآلوسى " والإيتاء عبارة عن تعلق إرادته - تعالى - بوقوع تلك المطالب وحصولها له - عليه السلام - ألبتة، وتقديره - تعالى - إياها حتما، فكلها حاصلة له - عليه السلام - وإن كان وقوع بعضها بالفعل مرتبا بعد، كتيسير الأمر، وشد الأزر... أى قال الله - تعالى - لموسى بعد أن ابتهل إليه - سبحانه - بما ابتهل لقد أجبنا دعاءك يا موسى، وأعطيناك ما سألتنا إياه، فطب نفسا وقر عينا. وقوله - تعالى - { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } تذكير منه - سبحانه - لموسى، بجانب من النعم التى أنعم بها عليه، حتى يزداد ثباتا وثقة بوعد الله - تعالى - ولذا صدرت الجملة بالقسم. أى وبعزتى وجلالى لقد مننا عليك، وأحسنا إليك { مَرَّةً أُخْرَىٰ } قبل ذلك، ومنحناك من رعايتنا قبل أن تلتمس منا أن نشرح لك صدرك، وأن نيسر لك أمرك... ثم فصل - سبحانه - هذه المنن التى امتن بها على عبده موسى، فذكر ثمانية منها أما أول هذا المنن فتتمثل فى قوله - تعالى - { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ }. و { إِذْ } ظرف لقوله { مَنَنَّا } والإيحاء الإعلام فى خفاء.. وإيحاء الله - تعالى - إلى أم موسى كان عن طريق الإلهام أو المنام أو غيرهما. قال صاحب الكشاف " الوحى إلى أم موسى إما أن يكون على لسان نبى فى وقتها، كقوله - تعالىوَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ } أو يبعث إليها ملكا لا على وجه النبوة كما بعث إلى مريم. أو يريها ذلك فى المنام فتتنبه عليه أو يلهمها كقوله - تعالى -وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } أى أوحينا إليها أمرا لا سبيل إلى التوصل إليه، ولا إلى العلم به، إلا بالوحى. والمعنى ولقد مننا عليك يا موسى مرة أخرى، وقت أن أوحينا إلى أمك بما أوحينا من أمر عظيم الشأن، يتعلق بنجاتك من بطش فرعون. فالتعبير بالموصول فى قوله { مَا يُوحَىٰ } للتعظيم والتهويل، كما فى قوله - تعالى -فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } ثم وضح - سبحانه - ما أوحاه إلى أم موسى فقال { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ.. }. و { أَنِ } فى قوله { أَنِ ٱقْذِفِيهِ } مفسرة، لأن الإيحاء فيه معنى القول دون حروفه. والمراد بالقذف هنا الوضع، والمراد به فى قوله { فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ } الإلقاء فى البحر وهو نيل مصر.

السابقالتالي
2 3 4