الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } * { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ } * { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } * { قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ } * { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ آيَةً أُخْرَىٰ } * { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } * { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } * { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } * { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } * { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } * { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي } * { هَارُونَ أَخِي } * { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } * { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } * { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً } * { وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } * { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }

الاستفهام فى قوله - تعالى - { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } للتقرير، لأن الله - تعالى - عالم بما فى يمين موسى، فالمقصود من هذا السؤال اعتراف موسى وإقراره بأن ما في يده إنما هى عصا فيزداد بعد ذلك يقينه بقدرة الله - تعالى - عندما يرى العصا التى بيمينه قد انقلبت حية تسعى. قال صاحب الكشاف إنما سأله - سبحانه - ليريه عظم ما يخترعه - عز وعلا - فى الخشبة اليابسة من قلبها حية نضاضة - أى تحرك لسانه فى فمها -، وليقرر فى نفسه المباينة البعيدة بين المقلوب عنه، والمقلوب إليه، وينبهه على قدرته الباهرة. ونظيره أن يريك الزراد زبرة من حديد - أى قطعة من حديد - ويقول لك ما هى؟ فتقول زبرة حديد. ثم يريك بعد أيام لبوسا مسردا فيقول لك هى تلك الزبرة صيرتها إلى ما ترى من عجيب الصنعة، وأنيق السرد... والآية الكريمة شروع فى بيان ما كلف الله - تعالى - به عبده موسى - عليه السلام - من الأمور المتعلقة بالخلق، إثر حكاية ما أمر - سبحانه - به موسى من إخلاص العبادة له، والإيمان بالساعة وما فيها من حساب وثواب وعقاب. والمعنى وأى شىء بيدك اليمنى يا موسى؟ فأجاب موسى بقوله - كما حكى القرآن عنه { قَالَ هِيَ عَصَايَ } أى الشىء الذى بيمينى هو عصاى.. ونسبها إلى نفسه لزيادة التحقق والتثبت من أنها خاصة به وكائنة بيده اليمنى. ثم بين وظيفتها فقال { أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا } أى أعتمد عليها لتساعدنى فى حال السير { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } أى وأضرب بها الشجر اليابس ليسقط، ورقة فترعاه أغنامى. يقال هش فلان الشجرة بالعصا - من باب رد - فهو يهشها هشا، إذا ضربها بعصاه أو بما يشبهها ليتساقط ورقها. ومفعول أهش محذوف. أى وأهش بها الشجر والورق. { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } والمآرب جمع مأربة - بتثليث الراء - بمعنى حاجة. تقول لا أرَب لى في هذا الشىء، أى لا حاجة لى فيه. أى ولى فى هذه العصا حاجات أخرى، ومنافع غير التى ذكرتها. وقد كان يكفى موسى - عليه السلام - فى الجواب أن يقول هى عصاى، ولكنه أضاف إلى ذلك أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى.. لأن المقام يستدعى البسط والإطالة فى الكلام، إذ هو مقام حديث العبد مع خالقه، والحبيب مع حبيبه. وأجمل فى قوله { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } إما حياء من الله - تعالى - لطول الكلام فى الجواب، وإما رجاء أن يسأل عن هذه المآرب المجملة، فيجيب عنها بالتفصيل تلذذا فى الخطاب. قال القرطبى وفى هذه الآية دليل على جواب السؤال بأكثر مما سئل، لأنه لما قال { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } ذكر معانى أربعة وهى إضافة العصا إليه، وكان حقه أن يقول عصا، والتوكؤ، والهش، والمآرب المطلقة.

السابقالتالي
2 3 4 5