الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ } * { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } * { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ }

والفاء فى قوله - تعالى - { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ... } فصيحة، أى إذا كان الأمر كان ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - من أن تأخير عذاب أعدائك للإمهال وليس للإِهمال.. فاصبر على ما يقولونه فى شأنك من أنك ساحر أو مجنون.. وسر فى طريقك دون أن تلتفت إلى إيذائهم أو مكرهم واستهزائهم. ثم أرشده - سبحانه - إلى ما يشرح صدره، ويجلو همه فقال { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ }. أى وعليك - أيها الرسول الكريم - أن تكثر من تسبيح ربك وتحميده وتنزيهه قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وفى ساعات الليل وفى " أطراف النهار ". أى فى الوقت الذى يجمع الطرفين، وهو وقت الزوال، إذ هو نهاية النصف الأول من النهار، وبداية النصف الثانى منه، إذا فى هذا التسبيح والتحميد والتنزيه لله - تعالى - والثناء عليه بما هو أهله، جلاء للصدور، وتفريج للكروب وأنس للنفوس، واطمئنان للقلوب. ويرى كثير من المفسرين، أن المراد بالتسبيح هنا، إقامة الصلاة والمداومة عليها. قال ابن كثير قوله { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } يعنى صلاة الفجر { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } يعنى صلاة العصر، كما جاء فى الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلى قال كنا جلوسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون فى رؤيته - أى لا ينالكم ضيم فى رؤيته بأن يراه بعضكم دون بعض - فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا " ثم قرأ هذه الآية.. وقوله { وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ } أى من ساعاته فتهجد به، وحمله بعضهم على المغرب والعشاء. { وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ } فى مقابلة آناء الليل { لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ } كما قال - سبحانه -وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } وبعد هذا الأمر بالتسبيح، جاء النهى عن الإِعجاب بالدنيا وزينتها فقال - تعالى - { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ.. }. أى أكثر - أيها الرسول الكريم - من الاتجاه إلى ربك، ومن تسبيحه وتنزيهه ومن المداومة على الصلاة ولا تطل نظر عينيك بقصد الرغبة والميل { إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ }. أى إلى ما متعنا به أصنافا من هؤلاء المشركين، بأن منحناهم الجاه والمال والولد. وما جعلناه لهم فى هذه الدنيا بمثابة الزهرة التى سرعان ما تلمع ثم تذبل وتزول. قال الآلوسى ما ملخصه { أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ } أى أصنافا من الكفرة، وهو مفعول { مَتَّعْنَا } قدم عليه الجار والمجرور للاعتناء به.

السابقالتالي
2 3