الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } * { فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } * { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } * { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } * { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } * { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } * { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } * { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ }

واللام فى قوله - تعالى - { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ... } هى الموطئة للقسم، والمعهود محذوف، وهو النهى عن الأكل من شجرة معينة، كما وضحه فى آيات أخرى منها قوله - تعالى -وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّالِمِينَ } أى والله لقد عهدنا إلى آدم - عليه السلام - وأوصيناه ألا يقرب تلك الشجرة { مِن قَبْلُ } أن يخالف أمرنا فيقربها ويأكل منها، أو من قبل أن نخبرك بذلك - أيها الرسول الكريم -. والفاء فى قوله { فَنَسِيَ } للتعقيب، والمفعول محذوف. أى فنسى العهد الذى أخذناه عليه بعدم الأكل منها. والنسيان هنا يرى بعضهم أنه بمعنى الترك، وقد ورد النسيان بمعنى الترك فى كثير من آيات القرآن الكريم. ومن ذلك قوله - تعالى -وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } أى نترككم كما تركتم لقاء يومكم هذا وهو يوم القيامة. وعليه يكون المعنى ولقد عهدنا إلى آدم من قبل بعدم الأكل من الشجرة فترك الوفاء بعهدنا وخالف ما أمرناه به. وعلى هذا التفسير فلا إشكال فى وصف الله - تعالى - له بقوله { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } لأن آدم بمخالفته لما نهاه الله - تعالى - عنه وهو الأكل من الشجرة - صار عاصيا لأمر ربه. ومن العلماء من يرى أن النسيان هنا على حقيقته، أى أنه ضد التذكر فيكون المعنى ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ما عاهدناه عليه، وغاب عن ذهنه ما نهيناه عنه، وهو الأكل من الشجرة. فإن قيل إن الناسى معذور. فكيف قال الله - تعالى - فى حقه { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ }؟. فالجواب أن آدم - عليه السلام - لم يكن معذورا بالنسيان، لأن العذر بسبب الخطأ والنسيان والإِكراه. من خصائص هذه الأمة الإسلامية، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله تجاوز لى عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ.. }. للنسيان معنيان أحدهما الترك، أى ترك الأمر والعهد، وهذا قول مجاهد وأكثر المفسرين، ومنهنَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } وثانيهما قال ابن عباس " نسى " هنا من السهو والنسيان، وإنما أخذ الإِنسان من أنه عهد إليه فنسى... وعلى هذا القول يحتمل أن يكون آدم فى ذلك الوقت مؤاخذا بالنسيان، وإن كان النسيان عنا اليوم مرفوعا. والمراد تسلية النبى - صلى الله عليه وسلم - أى أن طاعة بنى آدم للشيطان أمر قديم أى إن نقَض هؤلاء - المشركون - العهد، فإن آدم - أيضا - عهدنا إليه فنسى.

السابقالتالي
2 3 4