الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } * { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } * { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } * { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } * { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } * { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً }

والسائلون عن أحوال الجبال يوم القيامة كفار مكة، روى أنهم قالوا للرسول - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الاستهزاء، يا محمد إنك تدعى أن هذه الدنيا تفنى، وأننا نبعث بعد الموت، فأين تكون هذه الجبال، فنزل قوله - تعالى - { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً }. وقيل السائلون هم المؤمنون على سبيل طلب المعرفة والفهم. وقوله { يَنسِفُهَا } من النسف بمعنى القلع. يقال نسفت الريح التراب نسفا - من باب ضرب - إذا اقتلعته وفرقته. أى ويسألك - أيها الرسول الكريم - بعض الناس عن أحوال الجبال يوم القيامة، فقل لهم ينسفها ربى نسفا، بأن يقلعها من أصولها، ثم يجعلها كالرمل المتناثر، أو كالصوف المنفوش الذى تفرقه الرياح. والفاء فى قوله { فَقُلْ } للمسارعة إلى إزالة ما فى ذهن السائل من توهم أن الجبال قد تبقى يوم القيامة. والضمير فى قوله { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } يعود إلى الجبال باعتبار أجزائها السفلى الباقية بعد النسف، ويصح أن يعود إلى الرض المدلول عليها بقرينة الحال، لأنها هى الباقية بعد قلع الجبال. والقاع هو المنكشف من الأرض دون أن يكون عليه نبات أو بناء. والصفصف الأرض المستوية الملساء حتى لكأن أجزاءها صف واحد من كل جهة. اى فيتركها بعد النسف أرضا منكشفة متساوية ملساء، لا نبات فيها ولا بناء... { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } أى لا ترى فى الأرض بعد اقتلاع الجبال منها، مكانا منخضا، كما لا ترى فيها { أَمْتاً } أى مكانا مرتفعا، بل تراها كلها مستوية ملساء كالصف الواحد. قال صاحب الكشاف فإن قلت قد فرقوا بين العِوج والعَوج، فقالوا العِوج بالكسر فى المعانى والعوج بالفتح فى الأعيان، والأرض عين، فكيف صح فيها المكسور العين؟. قلت اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع فى وصف الأرض بالاستواء والملاسة ونفى الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها، وبالغت فى التسوية على عينك وعيون البصراء، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط، ثم استطلعت رأى المهندس فيها، وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية، لعثر فيها على عوج فى غير موضع، لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسى، فنفى الله ذلك العوج الذى دق ولطف عن الإِدراك، اللهم إلا بالقياس الذى يعرفه صاحب التقدير والهندسة، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعانى، فقيل فيه، عوج بالكسر والأمت النتوء اليسير، يقال مد حبله حتى ما فيه أمت.. ثم بين - سبحانه - أحوال الناس يوم القيامة فقال { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ.

السابقالتالي
2 3 4