الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } * { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } * { خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } * { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً }

والكاف فى قوله - تعالى - { كَذٰلِكَ } فى محل نصب نعت لمصدر محذوف، أى نقص عليك - أيها الرسول الكريم - من أنباء ما قد سبق من أحوال الأمم الماضية، قصصا مثل ما قصصناه عليك عن موسى وهارون. وما دار بينهما وبين فرعون وبين بنى إسرائيل. و { مِنْ } فى قوله { مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ } للتبعيض، ويشهد لذلك أن القرآن قد صرح فى كثير من آياته، أن الله - تعالى - لم يقص على الرسول - صلى الله عليه وسلم - جميع أحوال الأمم السابقة، ومن ذلك قوله - تعالى -وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } ومن فوائد ما قصه الله - تعالى - عليه من أنباء السابقين زيادة علمه - صلى الله عليه وسلم -، وتكثير معجزاته، وتثبيت فؤاده، وتسليته عما أصابه من سفهاء قومه، وتذكير المؤمنين بأحوال تلك الأمم السابقة ليعتبروا ويتعظوا. وقوله - سبحانه - { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } تنويه وتعظيم لشأن القرآن الكريم. أى وقد أعطيناك ومنحناك من عندنا وحدنا { ذِكْراً } عظيما. وهو القرآن الكريم، كما قال - تعالى -وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } قال الفخر الرازى وفى تسمية القرآن بالذكر وجوه أحدها أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم. وثانيها أنه يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه على الناس، ففيه التذكير والوعظ. وثالثها أنه فيه الذكر والشرف لك ولقومك، كما قال - سبحانه -وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة من يعرض عن هداية هذا القرآن فقال { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً }. والوزر فى الأصل يطلق على الحمل الثقيل، وعلى الإثم والذنب، والمراد به هنا العقوبة الثقيلة الأليمة المترتبة على تلك الأثقال والآثام. قال صاحب الكشاف والمراد بالوزر العقوبة الثقيلة الباهظة، سماها وزرا تشبيها فى ثقلها على المعاقب، وصعوبة احتمالها، بالحمل الذى يفدح الحامل، وينقض ظهره، أو لأنها جزاء الوزر وهو الإِثم. وقد أخبرنا القرآن فى كثير من آياته، أن الكافرين يأتون يوم القيامة وهم يحملون أوزارهم، أى أثقال ذنوبهم على ظهورهم، ومن ذلك قوله - تعالى -لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } أى من أعرض عن هذا الذكر وهو القرآن الكريم فإنه بسبب هذا الإعراض والترك، يحمل يوم القيامة على ظهره آثاما كثيرة تؤدى إلى العقوبة المهينة من الله - تعالى -. وقوله { خَالِدِينَ فِيهِ } أى فى العذاب المترتب على هذا الوزر.

السابقالتالي
2