الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } * { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

معنى الآيات الكريمة إجمالا قل - يا محمد - لأولئك اليهود الذين ادعوا أن الجنة لن يدخلها إلا من كان هودا إن كانت الجنة مختصة بكم، وسالمة لكم دون غيركم، وليس لأحد سواكم فيها حق. فتمنوا الموت إن كنتم صادقين فى دعواكم، لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وأحب الوصول إليها. ثم أخبر الله أن هذا التمنى لن يحصل منهم فقال { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } أى الموت { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أى بسبب ما ارتكبوه من كفر ومعصية { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } الذين وضعوا الأمور فى غير موضعها، فادعوا ما ليس لهم، ونفوه عمن هو لهم. ثم أخبر القرآن بأن حرصهم على الحياة لا نظير له ولا مثيل فقال { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ } متطاولة { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } أى وأحرص عليها - أيضاً - من الذين أشركوا الذين لا يعرفون إلا الحياه الدنيا { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } أى يتمنى الواحد من هؤلاء اليهود أن يعيش السنين الكثيرة ولو تجاوزت الحدود المعقولة لعمر الإِنسان والحال أنه ما أحد منهم بمزحزحه ومنجيه تعميره من العذاب { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُون } أى لا يخفى عليه أعمالهم، فهو محاسبهم عليها، ومجازيهم بما يستحقونه من عقاب. وقوله تعالى { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } رد على زعمهم الباطل أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هوداً، والمراد بالدار الآخرة الجنة ونعيمها، ومعنى { خَالِصَةً } سالمة لكم مختصة بكم، لا يشارككم فيها أحد من الناس. قال الإِمام ابن جرير " يقال خلص لى فلان بمعنى صار لى وحدى وصفا لى، ويقال منه خلص هذا الشىء، فهو يخلص خلوصاً وخالصة، والخالصة مصدر مثل العافية.. ". وقوله تعالى { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } التمنى هو ارتياح النفس ورغبتها القوية فى الشىء. بحيث توده وتحب المصير إليه، وهو يستعمل فى المعنى القائم بالقلب كما بينا، ويستعمل فى اللفظ الدال على هذا المعنى، كأن يقول الإِنسان بلسانه، ليتنى أحصل على كذا. والاستعمال الثانى هو المراد بقول تعالى { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } أى اذكروا بألسنتكم لفظاً يدل على أنكم تحبون الموت وترغبون فيه. وإنما قلنا إن ذلك هو المراد من الآية لأن المعنى الكائن بالقلب لا يعرفه أحد سوى الله - تعالى - والتحدى لا يقع بتحصيل المعانى القائمة بالضمائر والقلوب. ومعنى الآية الكريمة. قل يا محمد لليهود إن كانت الجنة خاصة بكم، ولا منازع لكم فيها ولا مزاحم كما تزعمون، فتمنوا الموت بألسنتكم لكى تظفروا بنعيمها الدائم، إن كنتم صادقين فى دعواكم أنها خالصة لكم، وإلا فإنكم لا تكونون صادقين فى دعواكم، إذ لا يعقل أن يرغب الإِنسان عن السعادة المحضة الدائمة المضمونة له فى الآخرة، إلى سعادة ممزوجة بالشقاء فى الدنيا.

السابقالتالي
2 3 4 5