الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

معنى الآيات الكريمة. أن اليهود المعاصرين للعهد النبوى كانوا إذا عرض عليهم الإِيمان بما أنزل الله من القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم أجابوا بقولهم نؤمن بما أنزل علينا وهو التوراة التى أنزلها الله - تعالى - على موسى، ويجحدون غيرها وهو القرآن الكريم المصدق لها فى الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكذبهم فى دعواهم الإِيمان بما أنزل عليهم فقال { قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } بالتوراة فإنها تنهاكم عن قتلهم ثم كذبهم القرآن الكريم مرة أخرى فقال { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أى بالآيات الواضحات الدالة على صدقه، ولكنكم { ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ } أى من بعد ذهابه لميقات ربه { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } لعبادتكم غير الله تعالى. ثم كذبهم القرآن الكريم - فى دعواهم الإِيمان بما أنزل عليهم - بصورة أخرى سوى ما سبقها فقال تعالى { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } وقلنا لكم { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم - من التوراة - بِقُوَّةٍ } أى بجد حزم { وَٱسْمَعُواْ } ما أمرتم به فيها سماع تدبر وطاعة. ولكن أسلافكم الذين أنتم على شاكلتهم قالوا لنبيهم { سَمِعْنَا } قولك { وَعَصَيْنَا } أمرك. وخالط حب العجل قلوبهم كما يخالط الماء أعماق البدن، وكل هذه الأفاعيل منكم لا تناسب دعواكم الإِيمان بما أنزل إليكم، وإذا فبئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين بالتوراة كما تزعمون، فالواقع أن التوراة بريئة من أعمالكم، وأنتم بعيدون عن الإِيمان بها. وقوله تعالى { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا } تصوير لنوع آخر من قبائح اليهود، وإخبار عن إعراضهم عن الحق بدعوى أنهم مكلفون بعدم الإِيمان إلا بما أنزل الله على موسى وهو التوراة. والمقصود { بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } القرآن الكريم. ولم يذكر المنزل عليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم للعلم به أو للتنبيه على أن وجوب الإِيمان بالكتاب، يكفى فيه العلم بأنه منزل من عند الله - تعالى - ومتى استقر فى النفس أن القرآن الكريم من عند الله، استتبع ذلك استحضار أنه أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وقولهم { بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا } معناه نؤمن بالتوراة التى أنزلها الله على نبينا موسى دون غيرها مما أنزله الله عليك - يا محمد -، وجوابهم هذا يدل على غبائهم وعنادهم. لأن الداعى لهم إلى الإِيمان، يطلب منهم أن يؤمنوا بكل ما أنزل الله من الكتب السماوية، ولكنهم قيدوا أنفسهم بالإِيمان ببعض ما أنزل الله وهو ما أنزل عليهم، فلم يكن إيمانهم مطابقاً لما أمر الله به وهو التصديق بجميع الكتب السماوية، ولا شك أن من آمن ببعض الكتب السماوية وكفر ببعضها يكون كافراً بجميعها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8