الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

روى المفسرون فى سبب نزول الآية الأولى من هاتين الآيتين آثارا متعددة، من ذلك ما جاء عن عاصم بن عمرو بن قتادة الأنصارى عن رجال من قومه قالوا مما دعانا إلى الإِسلام مع رحمة الله وهداه، أنا كنا نسمع من رجال يهود حين كنا أهل شرك وكانوا أهل كتاب، عندهم علم ليس عندنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فكنا إذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا قد تقارب زمان نبى يبعث الآن، نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رسولا من عند الله أجبنا حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه، فآمنا به وكفروا به، ففينا وفيهم نزل قوله - تعالى - { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ }.... إلخ الآية ". ومعنى الآيتين الكريمتين ولما جاء إلى اليهود محمد صلى الله عليه وسلم ومعه القرآن الكريم وهو الكتاب الذى أوحاه الله إليه، مصدقاً لما معهم من التوراة فيما يختص ببعثة النبى صلى الله عليه وسلم ونعته، وكانوا قبل ذلك يستنصرون به على أعدائهم، لما جاءهم النبى المرتقب ومعه القرآن الكريم جحدوا نبوته، وكذبوا كتابه { فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }. بئس الشىء الذى باعوا به أنفسهم. الكفر بما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وكفرهم هذا كان من أجل البغى الذى استولى على نفوسهم، والحسد الذى خالط قلوبهم، وكراهية لأن ينزل الله وحيه على محمد العربى صلى الله عليه وسلم فباءوا بسبب هذا الخلق الذميم، بغضب مترادف متكاثر من الله - تعالى - { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } جزاء كفرهم وحسدهم. والمراد بالكتاب فى قوله تعالى { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } القرآن الكريم، وفى تنكيره زيادة تعظيم وتشريف له، وفى الأخبار عنه بأنه من عند الله، إشارة إلى أن ما يوحى به - سبحانه - جدير بأن يتلقى بالقبول وحسن الطاعة لأنه صادر من الحكيم الخبير، والذى مع اليهود هو التوراة، ومعنى كون القرآن مصدقاً لها، أنه يؤيدها ويوافقها فى أصول الدين، وفيما يختص ببعثة النبى صلى الله عليه وسلم وصفته. وفى وصف القرآن الكريم بأنه مصدق لما معهم، زيادة تسجيل عليهم بالمذمة لأنهم لم يكفروا بشىء يخالف أصول كتابهم وإنما كفروا بالكتاب الذى يصدق كتابهم. وقوله تعالى { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }. بيان لحالتهم قبل البعثة المحمدية، فإن اليهود كانوا عندما يحصل بينهم وبين أعدائهم نزاع، يستنصرون عليهم بالنبى صلى الله عليه وسلم قبل بعثته فيقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبى الذى نجد نعته فى التوراة.

السابقالتالي
2 3 4