الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } * { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ } * { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }

قال صاحب الكشاف " افتتح - سبحانه - كتابه بذكر الذين أخلصوا دينهم لله، وواطأت قلوبهم ألسنتهم، ووافق سرهم علنهم، وفعلهم قولهم، ثم ثنى بالذين محضوا الكفر ظاهراً وباطناً، قلوباً وألسنة، ثم ثلث بالذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وأبطنوا خلاف ما أظهروا. وهم الذين قال فيهممُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ } وسماهم المنافقين وكانوا أخبث الكفرة وأبغضهم إليه وأمقتهم عنده، لأنهم خلطوا بالكفر تمويهاً وتدليساً، وبالشرك استهزاء وخداعاً، ولذلك أنزل فيهمإِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ في ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } ووصف حال الذين كفروا فى آيتين ووصف حال الذين نافقوا فى ثلاث عشرة آية، نعى عليهم فيها خبثهم، ومكرهم، وفضحهم، وسفههم. واستجهلهم، واستهزأ بهم، وتهكم بفعلهم، وسجل طغيانهم، ودعاهم صما بكما عميا، وضرب لهم الأمثال الشنيعة. وقصة المنافقين عن آخرها معطوفة على قصة الذين كفروا، كما تعطف الجملة على الجملة ". والناس اسم لجماعة الإِنس. قال القرطبى " واختلف النحاة فى لفظ الناس فقيل هو من أسماء الجموع، جمع إنسان وإنسانة على غير اللفظ، وتصغيره نويس، فالناس من النوس وهو الحركة، يقال ناس، ينوس أى تحرك. وقيل أصله نسى، فأصل ناس نسى، قلب فصار نيس، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً، ثم دخلت الألف واللام فقيل الناس، قال ابن عباس نسى آدم عهد الله فسمى إنساناً. وقيل سمى إنساناً لأنسه بربه، قال الشاعر
وما سمى الإِنسان إلا لأنسه ولا القلب إلا أنه يتقلب   
واليوم الآخر هو اليوم الذى يبتدئ بالبعث ولا ينقطع أبداً، وقد يراد منه اليوم الذى يبتدئ بالبعث وينتهى باستقرار أهل الجنة فى الجنة. وأهل النار فى النار. وقال القرآن فى شأن المنافقين { وَمِنَ ٱلنَّاسِ } مجرداً إياهم من الوصفين السابقين، وصف الإِيمان ووصف الكفر، لأنهم لم يكونوا بحسب ظاهر الأمر مع الكافرين، ولا بحسب باطنه مع المؤمنين، لذا عبر عنهم بالناس لينطبق التعبير على ما حاولوه لأنفسهم من أتهم لا هم مؤمنون ولا هم كافرون وفى ذلك مبالغة فى الحط من شأنهم. فهم لم يخرجوا عن كونهم ناساً فقط، دون أن يصلوا بأوصافهم إلى أهل اليمين أو إلى أهل الشمال الصرحاء فى كفرهم، بل بقوا فى منحدر من الأرض، لا يمر بهم سالك الطريق المستقيم ولا سالك المعوج من الطرق. وعبر القرآن بلفظ { يَقُولُ آمَنَّا } ليفيد أنه مجرد قول باللسان، لا أثر له فى القلوب، وإنما هم يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم. وحكى القرآن عن هؤلاء المنافقين أنهم اقتصروا فى إظهار الإِيمان على ذكر الإِيمان بالله واليوم الآخر، ليزيدوا فى التمويه على المؤمنين بإدعاء أنهم أحاطوا بالإِيمان من طرفيه، لأن من يؤمن بالله واليوم الآخر، استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن من شأنه أن يكون - أيضا - مؤمناً برسل الله وملائكته وكتبه.

السابقالتالي
2 3