الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }

بعد أن بين - سبحانه - فى الآية السابقة أن الله - تعالى - قد أخذ على بنى إسرائيل عهداً بأن يعبدوه ويؤدوا فرائض الله، إلا أنهم نقضوا هذا العهد وتولوا عنه سوى قليل منهم بعد ذلك بين فى هذه الآيات الكريمة أنه - سبحانه - أخذ عليهم عهداً آخر ولكنهم نقضوه كما هو دأبهم. وملخص هذا العهد الذى ذكرته الآيات الكريمة، أن الله تعالى أخذ عليهم الميثاق ألا يقتل بعضهم بعضاً، وألا يخرج بعضهم بعضاً من داره، وأنهم إذا وجدوا أسيراً منهم فى يد غيرهم فإن عليهم أن يبذلوا أموالهم لفدائه من الأسر، وتخليصه من أيدى أعدائهم، ثم لما نشبت الحرب بين قبيلتى الأوس والخزرج، انضمت قبيلة بنى قريظة إلى الأوس، وانضمت قبيلة بنى قينقاع وبنى النضير إلى الخزرج، وصارت كل طائفة من طوائف اليهود تقاتل بجانب أبناء ملتهم المنضمين إلى حلفائهم الآخرين فإذا وضعت الحرب أوزارها، بذل جميع اليهود أموالهم لتخليص الأسرى من أعدائهم كما أمرهم - تعالى - وبهذا يكونون قد آمنوا ببعض الكتاب وهو بذل الفداء لتخليص الأسرى، وكفروا ببعضه وهو تحريم سفك دماء إخوانهم وإخراجهم من ديارهم، ويحكى التاريخ أن العرب كانوا يعيرونهم فيقولون لهم كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم بأموالكم؟ فكان اليهود يقولون قد حرم علينا قتالهم ولكنا نستحى أن نخذل حلفاءنا وقد أمرنا أن نفتدى أسرانا. وقد توعدهم - سبحانه - بالخزى فى الدنيا والآخرة، جزاء نقضهم لعهوده، وتفريقهم بين أحكامه. والمعنى الإِجمالى للآيات الكريمة واذكروا - أيضاً - يا بنى إسرائيل وقت أن أخذنا عليكم العهد، وأوصيناكم فيه بألا يتعرض بعضكم لبعض بالقتل، وبألا يخرج بعضكم بعضاً من مساكنهم، ثم أقررتم وأنتم تشهدون على الوفاء بهذا العهد، والالتزام بما جاء فيه، ثم أنتم هؤلاء - يا معشر اليهود - بعد إقراركم بالميثاق، وبعد شهادتكم المؤكدة على أنفسكم بأنكم قد قبلتموه، خرجتم على تعاليم التوراة، فنقضتم عهودكم، وأراق بعضكم دماء بعض، وأخرجتم إخوانكم فى الملة والدم من ديارهم ظلماً وعدواناً، وتعاونتم على قتلهم وإخراجهم مع من ليسوا من ملتكم أو قرابتكم، ومع ذلك فإذا وقع إخوانكم الذين قاتلتموهم وأخرجتموهم من ديارهم فى الأسر فاديتموهم، فلم لم تتبعوا حكم التوراة فى النهى عن قتالهم وإخراجهم كما اتبعتم حكمها فى مفاداتهم؟ وكيف تستبيحون القتل والإِخراج من الديار، ولا تستبيحون ترك الأسرى فى أيدى عدوهم؟ إن هذا التفريق بين أحكام الله جزاء فاعله الهوان فى الدنيا. والعذاب الدائم فى الأخرى، وما الله بغافل عما تعملون. ولا شك أن أولئك اليهود الذين نقضوا عهودهم، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، قد باعوا دينهم بدنياهم، فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون.

السابقالتالي
2 3 4