الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات آثاراً، منها ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال " إن اليهود كانوا يقولون إن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً فى النار، وإنما هى سبعة أيام معدودة " ، فأنزل الله تعالى { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ... } الآيات. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال " حدثنى أبى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لليهود أنشدكم بالله وبالتوراة التى أنزلها الله على موسى يوم طور سيناء، من أهل النار الذين أنزلهم الله فى التوراة؟ قالوا إن ربنا غضب علينا غضبة، فنمكث فى النار أربعين ليلة، ثم نخرج فتخلفوننا فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبداً، فنزل القرآن تصديقاً لقول النبى صلى الله عليه وسلم وتكذيباً لهم - نزل قوله تعالى - { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً... } إلى قوله تعالى { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }. وأخرج ابن جرير - أيضاً - عن ابن عباس أنه قال فى قوله تعالى { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } ذلك أعداء الله اليهود، قالوا لن يدخلنا الله النار إلا تحلة القسم. الأيام التى أصبنا فيها العجل أربعين يوماً، فإذا انقضت عنا تلك الأيام انقطع عنا العذاب والقسم. هذه بعض الآثار التى وردت فى سبب نزول الآيات الكريمة، والمعنى وقالت اليهود - يا محمد - إن النار لن تصيبنا، ولن نذوق حرها، إلا أياماً قلائل - قل لهم - يا محمد - رداً على دعواهم الكاذبة هل اتخذتم من الله عهداً بذلك حتى يكون الوفاء به متحققاً؟ أم تقولون على الله الباطل جهلا وجراءة عليه؟ ثم أبطل القرآن الكريم دعواهم بأصل عام يشملهم ويشمل غيرهم فقال. ليس الأمر كما تدعون، بل الحق أنه من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ومات عليها دون أن يتوب إلى الله - تعالى - منها { فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }. وقوله تعالى { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } بيان لضرب من ضروب غرورهم وكذبهم، معطوف على رذائلهم السابقة التى حكاها القرآن الكريم، إذ الضمير فى قوله تعالى وقالوا يعود على اليهود الذين مر الحديث عنهم ولما ينته بعد. والمس اتصال أحد الشيئين بآخر على وجه الإِحساس والإِصابة. والمراد من النار نار الآخرة. والمراد من المعدودة المحصورة القليلة، يقال شىء معدود أى قليل. وشىء غير معدود أى كثير فهم يدعون أن النار لن تمسهم إلا مدة يسيرة قد تكون سبعة أيام، وقد تكون أربعين يوماً، وبعدها يخرجون إلى الجنة لأن كل معدود منقض.

السابقالتالي
2 3