الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }

الآيات الكريمة التى معنا قد افتتحت بتيئيس المؤمنين من دخول اليهود فى الإِسلام ولكن هذا التيئيس قد سبق بما يدعمه ويؤيده، فقد بينت الآيات السابقة عليها " موقف اليهود الجحودى من نعم الله - عز وجل - كما بينت تنطعهم فى الدين، وسوءه إدراكهم لمقاصد الشريعة، وقساوة قلوبهم من بعد أن رأوا من الآيات البينات ما رأوا، وبعد هذا البيان الموحى بالقنوط من استجابتهم للحق، خاطب الله المؤمنين بقوله { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }. ومعنى الآية الكريمة أفتطمعون - أيها المؤمنون - بعد أن وصفت لكم من حال اليهود ما وصفت من جحود ونكران، أن يدخلوا فى الإِسلام. والحال أنه كان فريق من علمائهم وأحبارهم يسمعون كلام الله ثم يميلونه عن وجهه الصحيح من بعد ما فهموه، وهم يعلمون أنهم كاذبون بهذا التحريف على الله تعالى، أو يعلمون ما يستحقه محرفه من الخزى والعذاب الأليم. فالخطاب فى الآية الكريمة للمؤمنين، والاستفهام يقصد به الإِنكار عليهم، إذ طمعوا فى استجابة اليهود لدعوة الحق، بعد أن علموا سوء أحوالهم، وفساد نفوسهم. والنهى عن الطمع فى إيمانهم لا يقتضى عدم دعوتهم إلى الإِيمان، فالمؤمنون مأمورون بدعوتهم إليه، لإِقامة الحجة عليهم فى الدنيا عند إجراء أحكام الكفر عليهم، ولقطع عذرهم فى الآخرة وقد تصادف الدعوة إلى الإِسلام نفوساً منصفة تستجيب لدعوة الحق، وتهتدى إلى الطريق المستقيم، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم هو وأصحابه من بعده. ولكن اليهود صموا آذانهم عن الحق بعد ما عرفوه فأصبحت دعوتهم إلى الإِسلام غير مجدية، وهنا يأتى النهى عن الطمع فى إيمانهم بهذه الآية وأمثالها. وجملة { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } حالية، مشتملة على بيان أحد الأسباب الداعية إلى القنوط من إيمانهم، وبذلك يكون التقنيط من إيمانهم قد علل بعلتين إحداهما ما سبق هذه الآية من تصوير لأحوالهم السيئة. والثانية ما تضمنته هذه الجملة الكريمة من تحريفهم لكلام الله عن علم وتعمد. والمراد بالفريق فى قوله تعالى { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } أحبارهم وعلماؤهم الذين عاصروا الرسل الكرام، فسمعوا منهم، أو الذين أتوا بعدهم فنقلوا عنهم. والتحريف أصله انحراف الشىء عن جهته وميله عنها إلى غيرها. والمراد به هنا إخراج الوحى والشريعة عما جاءت به، بالتغيير والتبديل فى الألفاظ، أو بالكتمان والتأويل الفاسد، والتفسير الباطل. وقوله تعالى { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } زيادة تشنيع عليهم، حيث إنهم حرفوا كلام الله بعد فهمهم له عن تعمد وسوء نية، وارتكبوا هذا الفعل الشنيع، رغم علمهم بما يستحقه مرتكبه من عقوبة دنيوية وأخروية.

السابقالتالي
2 3 4 5