الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }

ففى هاتين الآيتين بيان لأحوال طائفة ثانية من الناس، على الضد فى طبيعتها وأوصافها ومآلها من الطائفة الأولى التى فازت برضوان الله. والكفر - بالضم - ضد الإِيمان. وأصله المأخوذ منه الكفر - بالفتح - وهو ستر الشىء وتغطيته، ومنه سمى الليل كافراً، لأنه يغطى كل شىء بسواده، وسمى السحاب كافراً لستره ضوء الشمس. ثم شاع الكفر فى مجرد ستر النعمة، كأن المنعم عليه قد غطى النعمة بجحوده لها. ويستعمله الشارع فى عدم الإِيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وسمى من لم يؤمن بما يجب الإِيمان به بعد الدعوة إليه - كافراً، لأنه صار بجحوده لذلك الحق وعدم الإِذعان إليه كالمغطى له. والمراد بالذين كفروا فى الآية التى معنا، طائفة معينة صمت آذانها عن الحق، عناداً وحسداً، وليس عموم الكافرين، لأن منهم من دخل في الإِسلام بعد نزول هذه الآية. وسواء اسم مصدر بمعنى الاستواء والمراد به اسم الفاعل أي مستو ولذلك يوصف به كما يوصف بالمصدر، كما فى قوله - تعالى -قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } أى مستوية. والإِنذار إخبار معه تخويف فى مدة تتسع للتحفظ من المخوف، فإن لم تتسع له فهو إعلام وإشعار لا إنذار، وأكثر ما يستعمل فى القرآن فى التخويف من عذاب الله - تعالى -. والمعنى إن الذين كفروا برسالتك يا محمد مستو عندهم إنذارك وعدمه، فهم لا يؤمنون بالحق، ولا يستجيبون لداعى الهدى، لسوء استعدادهم، وفساد فطرهم. وجاءت جملة " إن الذين كفروا مستأنفة ولم تعطف على ما قبلها لاختلاف الغرض الذى سيق له الكلام، إذ فى الجمل السابقة حديث عن الكتاب وآثاره وعظمته، وهنا حديث عن الكافرين وأحوالهم. وقد وضح هذا المعنى صاحب الكشاف فقال " فإن قلت لم قطعت قصة الكفار عن قصة المؤمنين ولم تعطف كنحو قولهإِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } وغيره من الآيات الكثيرة؟ قلت ليس وزان هاتين القصتين وزان ما ذكرت. لأن الأولى فيما نحن فيه مسوقه لذكر الكتاب وأنه هدى المتقين، وسيقت الثانية لأن الكفار من صفتهم كيت وكيت فبين الجملتين تباين فى الغرض والأسلوب، وهما على حد لا مجال فيه للعاطف ". وقوله { سَوَآءٌ } خبر إن و { عَلَيْهِمْ } متعلق به، و { أَأَنذَرْتَهُمْ } مؤول بمصدر فاعل سواء. أى إن الذين كفروا سواء عندهم إنذارهم وعدم إنذارهم وإنما استوى لديهم الإِنذار وعدمه مع أن الإِنذار إنما يواجههم به نبى قوى أمين مؤيد من الله - تعالى -، لأنهم لما جحدوا نعم الله، وعموا عن آياته، وحسدوا رسوله على ما آتاه الله من فضله، صاروا بسبب ذلك فى حضيض جمد معه شعورهم، وبرد فيه إحساسهم، فلا تؤثر فيهم موجعات القول، ولا تنفذ إلى قلوبهم بالغات الحجج.

السابقالتالي
2 3 4