الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }

القرية هى البلدة المشتملة على مساكن، والمراد بها بيت المقدس على الراجح. والرغد الواسع من العيش الهنىء، الذى لا يتعب صاحبه، يقال أرغد فلان أصاب واسعاً من العيش الهنىء. الحطة من حط بمعنى وضع، وهى مصدر مراد به طلب حط الذنوب. قال صاحب الكشاف حطة فعله من الحط كالجلسة. وهى خبر مبتدأ محذوف، أى مسألتنا حطة، والأصل فيها النصب بمعنى حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما رفعت لتعطى معنى الثبات... والمعنى اذكروا يا بنى إسرائيل - لتتعظوا وتعتبروا - وقت أن أمرنا أسلافكم بدخول بيت المقدس بعد خروجهم من التية، وأبحنالهم أن يأكلوا من خيراتها أكلا هنيئاً ذا سعة وقلنا لهم ادخلوا من بابها راكعين شكراً لله على ما أنعم به عليكم من نعمة فتح الأرض المقدسة متوسلين إليه - سبحانه - بأن يحط عنكم ذنوبكم، فإن فعلتم ذلك العمل اليسير وقلتم هذا القول القليل غفرنا لكم ذنوبكم وكفرنا عنكم سيئاتكم، وزدنا المحسن منهم خيراً جزاء إحسانه، ولكنهم جحدوا نعم الله وخالفوا أوامره، فبدلوا بالقول الذى أمرهم الله به قولا آخر أتوابه به من عند أنفسهم على وجه العناد والاستهزاء، فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون. قال الإِمام ابن كثير - رحمه الله - وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع. بن نون - عليه السلام - وفتحها الله عليهم عشية جمعة، وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلا حتى أمكن الفتح، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب باب البلد سجداً أى شكراً الله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر ورد بلدهم عليهم وإنقاذهم من التيه والضلال. وقوله تعالى { فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً } فيه إشعار بكمال النعمة عليهم واتساعها وكثرتها. حيث أذن لهم فى التمتع بثمرات القرية وأطعمتها من أى مكان شاءوا. وقوله تعالى { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ } إرشاد لهم إلى ما يجب عليهم نحو خالقهم من الشكر والخضوع، وتوجيههم إلى ما يعينهم على بلوغ غاياتهم. بأيسر الطرق وأسهل السبل، فكل ما كلفوا به أن يدخلوا من باب المدينة التى فتحها الله لهم خاضعين مخبتين وأن يضرعوا إليه بأن يحط عنهم آثامهم، ويمحو سيئاتهم. وقوله تعالى { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } بيان للثمرة التى تترتب على طاعتهم وخضوعهم لخالقهم، وإغراء لهم على الامتثال والشكر، - لو كانوا يعقلون - لأن غاية ما يتمناه العقلاء غفران الذنوب. قال الإِمام ابن جرير يعنى بقوله تعالى { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } نتغمد لكم بالرحمة خطاياكم، ونسترها عليكم، فلا نفضحكم بالعقوبة عليها. وأصل الغفر التغطية والستر، فكل ساتر شيئاً فهو غافر.

السابقالتالي
2 3