الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { ثُمَّ بَعَثْنَٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

جهرة فى الأصل مصدر من قولك جهرت بالقراءة والدعاء واستعيرت للمعاينة لما بينهما من الاتحاد فى الوضوح والانكشاف، إلا أن الأول فى المسموعات والثانى فى المبصرات. والصاعقة - كما قال ابن جرير - " كل أمر هائل رآه الرائى أو عاينه أو أصابه، حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب وذهاب عقل. صوتاً كان ذلك أو ناراً أو زلزلة أو رجفة، ومما يدل على أن الشخص قد يكون مصعوقاً وهو حى غير ميت، قوله - تعالى -وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } يعنى مغشياً عليه، فقد علم أن موسى لم يكن حين غشى عليه وصعق ميتاً، لأن الله أخبر عنه أنه لما أفاق قالسُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ... } وأصل البعث فى اللغة إثارة الشىء من محله، وتحريكه بعد سكون ومنه بعث فلان الناقة إذا أثارها من مبركها للسير، ويستعمل بمعنى الإِيقاظ، كما ورد فى قصة أهل الكهففَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فى ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً. ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ... } أى أيقظناهم. ويستعمل - أيضاً - بمعنى الإِحياء. وهو المراد فى الآية التى معنا، بدليل قوله تعالى { مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ }. ومعنى الآيتين الكريمتين واذكروا يا بنى إسرائيل وقت أن تجاوزتم حدودكم، وتعنتم فى الطلب، فقلتم لنبيكم موسى بجفاء وغلظة لن نؤمن لك، ولن نقر بما جئتنا به، حتى نرى الله عياتاً وعلانية، فيأمرنا بالإِيمان بك، وبما جئت به، فأخذتكم العقوبة التى صعقتكم - بسبب جهلكم وتطاولكم - وأنتم تشاهدونها بعيونكم، ثم مننا عليكم بلطفنا ورحمتنا فأحييناكم من بعد أن أخذتكم الصاعقة، لكى تشكروا الله على نعمه التى من جملتها إعادتكم إلى الحياة من بعد موتكم. قال الإِمام ابن جرير ذكرهم الله - تعالى - بذلك اختلاف آبائهم. وسوء استقامة أسلافهم مع أنبيائهم، مع كثرة معاينتهم من آيات الله وعبره ما تثلج بأقلها الصدور، وتطمئن بالتصديق معها النفوس، وذلك مع تتابع الحجج عليهم وسبوغ النعم من الله لديهم، وهم مع ذلك مرة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلهاً غير الله، ومرة يعبدون العجل من دون الله، ومرة يقولون { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً }. وأخرى يقولون له إذا دعوا إلى القتالفَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } ومرة يقال لهمقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } فيقولون حنطة فى شعيرة، ويدخلون الباب من قبل أستاهم، مع غير ذلك من أفعالهم القبيحة التى يكثر إحصاؤها، فأعلم الله - تعالى - الذين خاطبهم بهذه الآيات من يهود بنى إسرائيل الذين كانوا بين ظهرانى مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لن يعدوا أن يكونوا فى تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم وجحودهم نبوته كآبائهم وأسلافهم، الذين فصل عليهم قصصهم فى ارتدادهم عن دينهم مرة بعد أخرى، وتمردهم على نبيه موسى - عليه السلام - تارة بعد أخرى مع ابتلاء الله لهم، وسبوغ آلائه عليهم.

السابقالتالي
2 3