الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

المعنى واذكروا يا بنى إسرائيل من جملة نعمنا عليكم، نعمة فرق البحر بكم، وانفصاله بعد اتصاله، حين ضربه موسى بعصاه، فأصبحت فيه طريق يابسة فولجتموها، وسرتم فيها هرباً من فرعون وجنده؟ بذلك تمت لكم النجاة، وحصل الغرق لأعدائكم، وقت أن عبروا وراءكم وقد شاهدتموهم والبحر يلفهم بأمواجه، مشاهدة لا لبس فيها ولا غموض. ولقد كان فيما رأيتم ما يدعو إلى الاتعاظ، ويحمل على الشكر الجزيل لله العزيز الرحيم. فالآية الكريمة تشير إلى قصة نجاة بنى إسرائيل وغرق فرعون وقومه، وملخصها أن الله - عز وجل أوحى إلى نبيه - موسى - عليه السلام - أن يرحل ببنى إسرائيل ليلا من أرض مصر التى طال عذابهم فيها إلى أرض فلسطين، ونفذ موسى - عليه السلام - ما أمره به الله - تعالى - وعلم فرعون أن موسى وقومه قد خرجوا إلى أرض الشام، فتبعهم بجيش كبير، وأدركهم مع طلوع الشمس قرب ساحل البحر الأحمر، وأيقن بنو إسرائيل عندما رأوه أنه مهلكهم لا محالة. ولجأوا إلى موسى - عليه السلام - يشكون إليه خوفهم وفزعهم، ولكنه رد عليهم بقولهإِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } وأوحى الله إليهأَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } فضربهفَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } وأمر موسى - عليه السلام - بنى إسرائيل أن يعبروا فعبروا بين فرقى الماء دون أن يمسهم أذى. واقتفى فرعون وجنوده أثرهم طمعا فى إدراكهم وعندما عبر بنو إسرائيل البحر ولم يبق منهم أحد بين المياه المنحسرة، كان فرعون وجنده مازالوا بين فرقى البحر، فاطبق عليهم وعاد كما كان أولا، فغرقوا جميعاً، وبنو إسرائيل ينظرون إليهم فى دهشة وسرور. وأسند - سبحانه - فرق البحر إلى ذاته الكريمة. ليدل على أن القوم عبروه وقطعوه وهم بعنايته، وقوله تعالى { فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } بيان للمنة العظمى التى امتن بها عليهم، والتى ترتبت على فرق البحر، لأن فرق البحر لهم ترتب عليه أمران. أولهما نجاتهم. وثانيهما إهلاك عدوهم وكلاهما نعمة عظيمة. والإِيمان الصحيح يقضى بأن تفهم واقعة انفصال البحر لموسى وقومه على أنها معجزة كونية له، وقد زعم البعض أنها كانت حادثة طبيعية منشؤها المد والجزر، وهو زعم لا سند له ولا دليل عليه. واقتصرت الآية هنا على ذكر إغراق آل فرعون أى جنده وأنصاره، وصرحت آيات أخرى بغرقه مع آله، من ذلك قوله تعالىفَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً } وقوله تعالىفَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ في ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ } ومن تمام النعمة أن الله - تعالى - أهلك مع فرعون كل مناصر له وقوله تعالى { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } أى أغرقنا آل فرعون وأنتم تشاهدونهم بأعينكم، فكان ذلك أدعى لليقين بهلاك عدوكم، وأبلغ فى الشماتة به، وأرجى لشكر النعمة - ولا شك أن مشاهدة المنعم عليه للنعمة فيها لذة كبرى، ورؤيته لهلاك عدوه فيها عبرة عظمى، ومعاينته لا نفراق البحر فيها تقوية لإِيمانه، وتثبيت ليقينه، إذا كانوا ممن يحسنون الانتفاع بما يشاهدون.

السابقالتالي
2