الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

الآية الكريمة معطوفة على قوله تعالىٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ } فى الآية السابقة، من باب عطف المفصل على المجمل أى اذكروا نعمتى، واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون. وإذ بمعنى وقت، وهى مفعول به لفعل ملاحظ فى الكلام وهو اذكروا أى اذكروا وقت أن نجيناكم، والمراد من التذكير بالوقت تذكيرهم بما وقع فيه من أحداث. وآل الرجل أهله وخاصته وأتباعه، ويطلق غالباً على أولى الخطر والشأن من الناس، فلا يقال آل الحجام أو الإِسكاف. وفرعون اسم لملك مصر كما يقال لملك الروم قيصر، ولملك اليمن تبع ويسومونكم من سامه خسفا إذا أذله واحتقره وكلفه مالا يطيق. والابتلاء الامتحان والاختبار، ويكون فى الخير والشر، قال - تعالى -وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } والمعنى اذكروا يا بنى إسرائيل وقت أن نجيناكم من آل فرعون الذين كانوا يعذبونكم أشق العذاب وأصعبه، ويبغونكم ما فيه إذلال لكم واستئصال لأعقابكم، وامتهان لكرامتكم، حيث كانوا يزهقون أرواح ذكوركم، ويستبقون نفوس نسائكم، وفى ذلكم العذاب، وفى النجاة منه امتحان لكم بالسراء لتشكروا، ولتقلعوا عن السيئات التى تؤدى بكم إلى الإِذلال فى الدنيا، والعذاب فى الأخرى. قال الإِمام الرازى - رحمه الله - ما ملخصه واعلم أن الفائدة فى ذكر هذه النعمة - أى نعمة إنجائهم من عدوهم - يتأتى من وجوه أهمها 1- أن هذه الأشياء التى ذكرها الله - تعالى - لما كانت من أعظم ما يمتحن به الناس من جهة الملوك والظلمة، صار تخليص الله - عز وجل - لهم من هذه المحن من أعظم النعم، وذلك لأنهم عاينوا هلاك من حاول إهلاكهم، وشاهدوا ذل من بالغ فى إذلالهم، ولا شك فى أن ذلك من أعظم النعم، وعظم النعمة يوجب المبالغة فى الطاعة والبعد عن المعصية، لذا ذكر الله هذه النعمة العظيمة ليلزمهم الحجة، وليقطع عذرهم. 2- أنهم لما عرفوا أنهم كانوا فى نهاية الذل. وكان عدوهم فى نهاية العز، إلا أنهم كانوا محقين، وكان خصمهم مبطلا، لا جرم زال ذل المحقين، وبطل عز المبطلين، فكأنه تعالى يقول لهم لا تغتروا بكثرة أموالكم ولا بقوة مركزكم، ولا تستهينوا بالمسلمين لقلة ذات يدهم، فإن الحق إلى جانبهم. ومن كان الحق إلى جانبه، فإن العاقبة لابد أن تكون له اهـ. وخوطب بهذه النعمة اليهود الذين كانوا فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم ومع أن هذا الاتجاء كان لأسلافهم، لأن فى نجاة أسلافهم نجاة لهم، فإنه لو استمر عذاب فرعون للآباء لأفناهم، ولما بقى هؤلاء الأبناء، فلذلك كانت منه التنجية تحمل فى طياتها منتين، منه على السلف لتخليصهم مما كانوا فيه من عذاب ومنة على الخلف لتمتعهم بالحياة بسببها، فكان من الواجب عليهم جميعاً أن يقدروا هذه النعمة قدرها، وأن يخلصوا العبادة لخالقهم الذي أنجاهم من عدوهم.

السابقالتالي
2 3