الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ }

أعاد القرآن الكريم نداءهم، تأكيداً لتذكيرهم بواجب الشكر، واهتماماً بمضمون الخطاب وما يشتمل عليه من أوامر ومنهيات، وتفصيلا لما أسبغه الله عليهم من منن بعد أن أجملها فى النداء الأول، ليكون التذكير أتم والتأثير أشد، والشكر عليها أرجى. وقد جرت سنة القرآن الكريم أن يكرر الجمل المشتملة على أمور تستوجب المزيد من العناية كما فى حال ذكر النعم، لأن تكرارها يغرى النفوس الكريمة بطاعة مرسلها، والسير على الطريق القويم. وقوله تعالى { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } عطف على نعمتى، أى واذكروا تفضيلى إياكم على العالمين، وهذا التفضيل نعمة خاصة، فعطفه على { نِعْمَتِي } من عطف الخاص على العام للعناية به، وهو - أى التفضيل مبدأ تفصيل النعم وتعدادها، والمقصود منه الحض على الاتصاف بما يناسب تلك النعم، ويستبقى ذلك الفضل. وقد ذكر الله - تعالى - بنى إسرائيل المعاصرين للعهد النيوى بهذه النعم مع أنها كانت لآبائهم. كما يدل عليه سياق الآيات لأن النعم على الآباء نعم على الأبناء لكونهم منهم، ولأن شرف الأصول يسرى إلى الفروع، فكان التذكير بتلك النعم فيه شرف لهم، وحسن سمعة تعود عليهم، وتغريهم بالإِيمان والطاعة - لو كانوا يعقلون -. ومن مظاهر، تفضيل الله لبنى إسرائيل على عالمى زمانهم، جمعه لهم من المحامد قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم. ما لم يجمع لغيرهم. فقد حياهم بكثير من النعم، وبعث فيهم عدداً كبيراً من الأنبياء، ونجاهم من عدوهم، ولم يعجل العقوبة عليهم رغم عصيانهم واعتدائهم، واقترافهم شتى ألوان المنكرات عن تعمد وإصرار، ولم ينزل بهم قارعة تستأصلهم بذنوبهم كما استأصل غيرهم كقوم عاد وثمود. ولكن بنى إسرائيل لم يقابلوا نعم الله بالشكر والعرفان. بل قابلوها بالجحود والطغيان فسلبها الله عنهم، ومنحها لقوم آخرين لم يكونوا أمثالهم. ولقد حكى القرآن ألوانا من النعم التى منحها الله لبنى إسرائيل ولكنهم قابلوها بالبطر والكفران فأزالها الله عنهم. من ذلك قوله تعالىسَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أى سل - يا محمد - بنى إسرائيل المعاصرين لك. سؤال تقريع وتوبيخ. كم آتاهم الله على أيدى أنبيائهم من النعم الجليلة، والمعجزات الباهرة، ولكنهم بعد أن جاءتهم هذه الآيات، وتمكنوا منها وعقلوها قابلوها بالعناد والاستهزاء، وجعلوها من أسباب ضلالهم مع أنها مسوقة لهدايتهم وسعادتهم، فكانت نتيجة ذلك أن ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة فى الدنيا، وتوعدهم بشديد العقاب فى الآخرة. ومن الآيات التى صرحت بأن الله - تعالى - أعطى بنى إسرائيل نعماً وفيرة، ولكنهم لم يحمدوه عليها. قوله تعالى

السابقالتالي
2 3