الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ }

قوله تعالى { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } الاستعانة طلب المعونة، والصبر حبس النفس على ما نكره. يقال صبر على الطاعة. أى حبس نفسه عليها متحملا ما يلاقيه فى أدائها من مشاق وصبر عن المعصية. أى كف نفسه عما تنزع إليه من أهواء. والمعنى واستعينوا على ترك ما تحبون من شهوات الدنيا، والدخول فيما تستثقله نفوسكم من قبول الإِسلام، والتقيد بتكاليفه بفضيلة الصبر التى تحجز أنفسكم من غشيان الموبقات، وبفريضة الصلاة التى تنهاكم عن الفحشاء والمنكر. قوله تعالى { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } كبيرة أى صعبة شاقة. يقال كبر الشىء إذا شق وثقل، ومنه قوله تعالىكَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } أى ثقل وصعب - والخاشعين من الخشوع وهو فى الأصل اللين والسهولة " ومعناه فى الآية الكريمة. الخضوع والاستكانة لله تعالى، والضمير فى - إنها - للصلاة لعظيم شأنها واستجماعها لضروب من الصبر، والاستثناء مفرغ. أى كبيرة على كل الناس إلا على الخاشعين. والمعنى إن الصلاة صعبة إلا على الخاضعين المخبتين المتطامنة قلوبهم وجوارحهم لله تعالى لأنهم موقنون أنها من أهم وسائل الفلاح فى الدنيا، والسعادة فى الآخرة، ولأنهم يجدون عند أدائها اغتباطاً وسروراً يجعل نفوسهم تنشط إليها كلما حل وقتها بهمة وإخلاص. قال الإِمام الرازى " فإن قيل إن كانت ثقيلة على هؤلاء سهلة على الخاشعين، فيجب أن يكون ثوابهم أكثر، وثواب الخاشع أقل، وذلك منكر من القول؟ قلنا ليس المراد أن الذى يلحقهم من التعب أكثر مما يلحق الخاشع. وكيف يكون ذلك، والخاشع يستعمل فى الصلاة جوارحه وقلبه، ولا يغفل فيها وإذا كان هذا فعل الخاشع فالثقل عليه يفعل الصلاة أعظم. وإنما المراد بقوله تعالى { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ }. أى ثقيلة على غير الخاشع لأنه لا يعتقد فى فعلها ثواباً، ولا فى تركها عقاباً، فيصعب عليه فعلها، فالحاصل أن الملحد لاعتقاده عدم المنفعة فى أدائها ثقل عليه فعلها، لأن الاشتغال بما لا فائدة فيه يثقل على الطبع. أما الموحد فلما اعتقد فى فعلها أعظم المنافع، وفى تركها أكبر المضار، لم يثقل عليه أداؤها. بل أداها وهو سعيد بها، ألا ترى إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم " جعلت قرة عينى فى الصلاة " وصفها بذلك لأنها كانت لا تثقل عليه. ثم وصف - سبحانه - الخاشعين وصفاً يناسب المقام، ويظهر وجه الاستعانة، فقال - تعالى - { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }. الظن يرد فى أكثر الكلام بعنى الاعتقاد الراجح، وهو ما يتجاوز مرتبة الشك، وقد يقوى حتى يصل إلى مرتبة اليقين والقطع، وهو المراد هنا ومثل ذلك قوله - تعالى -

السابقالتالي
2 3