الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ } * { وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ } * { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ }

إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام - وفى إضافتهم إلى أبيهم إسرائيل تشريف لهم وتكريم، وحث لهم على الامتثال لأوامر الله ونواهيه، فكأنه قيل يا بنى العبد الصالح، والنبى الكريم، كونوا مثل أبيكم فى الطاعة والعبادة. ويستعمل مثل هذا التعبير فى مقام الترغيب والترهيب، بناء على أن الحسنة فى نفسها حسنة وهى من بيت النبوة أحسن، والسيئة فى نفسها سيئة وهى من بيت النبوة أسوأ، ففي هذا النداء. خير داع لذوى الفطر السليمة منهم إلى الإِقبال على ما يرد بعده من التذكير بالنعمة، واستعمالها فيما خلقت له. ومعنى { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } تنبهوا بعقولكم وقلوبكم لتلك المنافع التى أتتكم على سبيل الإِحسان منى، وقوموا بحقوقها وأكثروا من الحديث عنها بألسنتكم، فإن التحدث بنعم الله فيه إغراء بشكرها. والمراد بالنعمة المنعم بها عليهم، وتجمع على نعم، وقد وردت فى القرآن الكريم بمعنى الجمع كما فى قوله تعالىوَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } فإن لفظ العدد والإِحصاء قرينة على أن المراد بالنعمة النعم الكثيرة. ويبدوا أن المراد بالنعمة فى الآية التى معنا كذلك النعم المتعددة حيث إنه لم يقم دليل على أن المراد بها نعمة معهودة، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد فى معنى الجمع - اعتماداً على القرينة - من أبلغ الأساليب الكلامية. ثم أمرهم - سبحانه - بالوفاء بما عاهدهم عليه، فقال تعالى { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } العهد ما من شأنه أن يراعى ويحفظ، كاليمين والوصية وغيرهما، ويضاف إلى المعاهِد والمعاهَد جميعاً، يقال أوفيت بعهدى، أى بما عاهدت غيرى عليه، وأوفيت بعهدك، أى بما عاهدتنى عليه، وعهد الله أوامره ونواهيه، والوفاء به يتأتى باتباع ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، ويندرج فيه كل ما أخذ على بنى إسرائيل فى التوراة، من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم متى بعث، والإِيمان بما جاء به من عند الله وتصديقه فيما يخبر عن ربه. والمعنى وأوفوا بما عاهدتمونى عليه من الإِيمان بى، والطاعة لى، والتصديق برسلى، أوف بما عاهدتكم عليه من التمكين فى الأرض فى الدنيا والسعادة فى الآخرة. ثم أمرهم - سبحانه - بأن يجعلوا خوفهم من خالقهم وحده، فقال - تعالى - { وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } أى خافونى ولا تخافوا سواى، ولتكن قلوبكم عامرة بخشيتى وحدى، فإن ذلك يعينكم على طاعتى، ويبعدكم عن معصيتى. وحذف متعلق الرهبة للعموم، أى ارهبونى فى جميع ما تأتون، وما تذرون، حتى لا أنزل بكم من النقم مثل ما أنزلت بمن قبلكم من المسخ وغيره، فالآيات الكريمة قد تضمنت وعداً ووعيداً وترغيباً وترهيباً. { وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ }.

السابقالتالي
2 3 4 5