الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

ففى هذه الآيات الكريمة عطف - سبحانه - قصة خلق آدم أبى البشر على قصة خلق الأنفس وخلق السماوات والأرض انتقالا فى الاستدلال على أن الله واحد، وجمعاً بين تعدد الأدلة وبين مختلف الحوادث وأصلها، حتى يكون التدليل أجمع، والإِيمان بالله أقوى وأثبت. وإذ وإذا ظرفان للزمان، الأول للماضى والثانى للمستقبل، فإن جاء إذ مع المضارع أفاد الماضى كقولهوَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ... } وإن جاء إذا مع الماضى أفاد الاستقبال كقولهإِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } وإذ هنا واقعة موقع المفعول به لعامل مقدر دل عليه المقام. والمعنى واذكر يا محمد وقت أن قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة. وقد جاء هذا المقدر هنا مصرحاً به فى آيات أخرى كما قال تعالىوَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } والملائكة جمع ملك. والتاء لتأنيث الجمع، وأصله ملأك، من ملك، نحو شمال من شمل، والهمزة زائدة وهو مقلوب مالك، وقيل إن ملاك من لأك إذا أرسل، ومنه الألوكة، أى الرسالة. والملائكة، هم جند من خلق الله، ركز الله فيهم العقل والفهم، وفطرهم على الطاعة، وأقدرهم على التشكيل بأشكال مختلفة، وعلى الأعمال العظيمة الشاقة، ووصفهم فى القرآن بأوصاف كثيرة منها أنهميُسَبِّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } وأنهم لا يعصون الله ما أمرهموَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ومنها أنهم رسل الله أرسلهم بأمره " ومنهم رسل الوحى إلى من اصطفاهم من خلقه للنبوة والرسالة. قال تعالىجَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً } وقال تعالىٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } وقال - تعالى -يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } والخليفة من يخلف غيره وينوب منابه، فهو فعيل بمعنى فاعل. والتاء فيه للمبالغة، والمراد به آدم - عليه السلام - لأنه كان خليفة من الله فى الأرض، وكذلك سائر الأنبياء استخلفهم الله - تعالى - فى عمارة الأرض، وسياسة الناس، وتكميل نفوسهم، وإجراء أحكامه عليهم، وتنفيذ أوامره فيهم. وقيل آدم وذريته، لأنه يخلف بعضهم بعضاً فى عمارة الأرض، واستغنى بذكره عن ذكر ذريته لكونه الأصل. وخطاب الله لملائكته بأنه سيجعل فى الأرض خليفة، ليس المقصود منه المشورة، وإنما خاطبهم بذلك من أجل ما ترتب عليه من سؤالهم عن وجه الحكمة من هذه الخلافة، وما أجيبوا به من بعد، أو من أجل تعليم العباد المشاورة فى أمورهم قبل أن يقدموا عليها وعرضها على ثقاتهم ونصائحهم وإن كان هو - سبحانه - بعلمه وحكمته البالغة غنياً عن المشاورة. أو الحكمة تعظيم شأن المجهول، وإظهار فضله، بأن بشر بوجود سكان ملكوته، ونوه بعظيم شأن المجعول بذكره فى الملأ الأعلى قبل إيجاده، ولقبه بالخليفة.

السابقالتالي
2 3 4 5