الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله { آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } استئناف قصد به الإِخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما يشرفهم ويعلى من أقدارهم ومنازلهم. أى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم بما أنزل إليه من ربه فى هذه السورة وغيرها من العقائد والأحكام والسنن والبينات والهدايات تصديق إذعان وإقرار وإطمئنان، وكذلك المؤمنون الذين صدقوه واتبعوه آمنوا بما آمن به رسولهم وداعيهم إلى الحق صلى الله عليه وسلم. وقد قرن - سبحانه - إيمان المؤمنين بإيمان رسولهم صلى الله عليه وسلم تشريفاً لهم وللإِشارة إلى أنهم متى صدقوا فى إيمانهم كانت منزلتهم عند الله - تعالى - قريبة من منازل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -. وفى تأخيرهم فى الذكر إشارة إلى تأخر التابع عن المتبوع، وإشارة إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم هو أول من آمن بما أوحى إليه من ربه، وهو أقوى الناس إيماناً، وأصدقهم يقينا. وأكثرهم استجابه لأوامر الله. وقوله { كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } بيان للإِيمان الكامل الذى اعتقدوه وصدقوا به. أى كل فريق من هذين الفريقين وهما الرسول والمؤمنون آمن إيماناً تاماً بوجود الله - تعالى - ووحدانيته، وكمال صفاته، ووجوب الخضوع والعبادة له، وبوجود الملائكة وأنهم عباد مكرمونلاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } كما آمنوا بكتب الله التى أنزلها لسعادة البشر، وبرسله الذين أرسلهم لإِخراج الناس من الظلمات إلى النور. ثم بين - سبحانه - أن من صفات هؤلاء الأخيار أنهم لا يفرقون بين رسل الله - تعالى - فقال { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } أى يقولون لا نفرق فى الإِيمان بين رسل الله - تعالى - وإنما نؤمن بهم جميعاً، ونصدق برسالة كل رسول أرسله الله - تعالى - ولا نقول كما قال الضالوننُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } ثم حكى - سبحانه - ما قالوه مما يدل على صدق إيمانهم، ونقاء نفوسهم وطهارة قلوبهم فقالوا { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أى وقالوا سمعنا قولك وفهمناه، وامتثلنا أمرك - يا الهنا - واستقمنا عليه، وصبرنا على تكاليفه بكل رضا واستسلام. { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } أى اغفر لنا غفرانك الذى هو من فضل رحمتك ونعمك فأنت ربنا وخالقنا والعليم بأحوالنا وبضعفنا. فقوله { غُفْرَانَكَ } مصدر منصوب على المفعول المطلق والعامل فيه مقدر أى اغفر غفرانك. وقوله { وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } أى وإليك وحدك المرجع والمآب، ومنك وحدك يكون الحساب والثواب والعقاب،يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } وبذلك نرى أن هذه الآية الكريمة قد مدحت الرسول صلى الله عليه وسلم مدحاً عظيماً، ومدحت أتباعه المؤمنين الصادقين لاستجابتهم لأوامر الله ونواهيه، وتضرعهم إليه بخالص الدعاء أن يغفر لهم ما فرط منهم.

السابقالتالي
2 3 4