الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

قال ابن كثير قوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ } هذا إرشاد منه - تعالى - لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها، وقد نبه على ذلك فى آخر الآية حيث قال { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ } وروى البخارى عن ابن عباس أنه قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله وأذن فيه ثم قرأ { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم }. الآية. وثبت فى الصحيحين " عن ابن عباس قال قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون فى الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أسلف فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ". ومعنى { تَدَايَنتُم } تعاملتم بالدين وداين بعضكم بعضا. وحقيقة الدين - كما يقول القرطبى - " عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً والآخر فى الذمة نسيئة، فإن العين عند العرب ما كان حاضرا، والدين ما كان غائبا ". والأجل فى اللغة هو الوقت المضروب لانقضاء الأمد، وأجل الإِنسان هو الوقت المحدد لانقضاء عمره. وأجل الدين هو الوقت المعين لأدائه فى المستقبل. وأصله من التأخير، يقال أجل الشىء يأجل إذا تأخر والآجل نقيض العاجل. والمعنى يأيها الذين آمنوا إذا عامل بعضكم بعضا بالدين إلى وقت معين فاكتبوا هذا الدين، لأن فى هذه الكتابة حفظاً له، وضبطاً لمقداره، ومنعاً للتنازع من أن يقع بينكم. قال صاحب الكشاف فإن قلت هلا قيل إذا تداينتم إلى أجل مسمى، وأى حاجة إلى ذكر الدين؟ قلت ذكر - لفظ الدين - ليرجع الضمير إليه فى قوله { فَٱكْتُبُوهُ } إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال فاكتبوا الدين، فلم يكن النظم بذلك الحسن، ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحال. فإن قلت ما فائدة قوله { مُّسَمًّى } قلت ليعلم أن من حق الأجل أن يكون معلوما كالتوقيت بالسنة والأشهر والأيام. ولو قال إلى الحصاد أو الدياس أو رجوع الحاج لم يجز لعدم التسمية ". وجمهور العلماء على أن الأمر فى قوله " فاكتبوه " للندب، ولأن الله - تعالى - قد قال بعد ذلكفَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } ولأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يلزم الدائنين بكتابة ديونهم، ولا المدينين بأن يكتبوها. وقال الظاهرية إن الأمر هنا للوجوب، ومن لم يفعل ذلك كان آتماً، لأن الأصل فى الأمر أنه للوجوب.. وقوله { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ } بيان لكيفية الكتابة المأمور بها وتعيين من يتولاها عقب الأمر بها على سبيل الإِجمال.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7