الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } * { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قوله - تعالى - { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ... } استئناف قصد به الترهيب من تعاطى الربا، بعد الترغيب فى بذل الصدقة لمستحقيها. ولم يعطف على ما قبله لما بينهما من تضاد، لأن الصدقة - كما يقول الفخر الرازى - عبارة عن تنقيص المال - فى الظاهر - بسبب أمرالله بذلك، والربا عبارة عن طلب الزيادة على المال مع نهى الله عنه فكانا متضادين. والأكل فى الحقيقة. ابتلاع الطعام، ثم أطلق على الانتفاع بالشىء وأخذه بحرص وهو المراد هنا. وعبر عن التعامل بالربا بالأكل، لأن معظم مكاسب الناس تنفق فى الأكل. والربا فى اللغة الزيادة مطلقاً، يقال ربا الشىء يربو إذا زاد ونما، ومنه قوله - تعالى -وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ... } أى زادت. وهو فى الشرع - كما قال الآلوسى - عبارة عن فضل مال لا يقابله عوض فى معاوضة مال بمال. وقوله { يَتَخَبَّطُهُ } من التخبط بمعنى الخبط وهو الضرب على غير استواء واتساق. يقال خبطته أخبطه خبطا أى ضربته ضرباً متوالياً على أنحاء مختلفة. ويقال تخبط البعير الأرض إذا ضربها بقوائمه ويقال للذى يتصرف فى أمر ولا يهتدى فيه يخبط خبط عشواء. قال زهير بن أبى سلمى فى معلقته
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطى يعمر فيهرم   
والمس الخبل والجنون يقال مس الرجل فهو ممسوس إذا أصابه الجنون. وأصل المس اللمس باليد، ثم استعير للجنون، لأن الشيطان يمس الإِنسان فيجنه. والمعنى { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ } أى يتعاملون به أخذا وإعطاء { لاَ يَقُومُونَ } يوم القيامة للقاء الله إلا قياماً كقيام المتخبط المصروع المجنون حال صرعه وجنونه، وتخبط الشيطان له، وذلك لأنه قياماً منكراً مفزعا بسبب أخذه الربا الذى حرم الله أخذه. فالآية الكريمة تصور المرابى بتلك الصورة المرعبة المفزعة، التى تحمل كل عاقل على الابتعاد عن كل معاملة يشم منها رائحة الربا. وهنا نحب أن نوضح أمرين أما الأمر الأول فهو أن جمهور المفسرين يرون أن هذا القيام المفزع للمرابين يكون يوم القيامة حين يبعثون من قبورهم كما أشرنا إلى ذلك. قال الآلوسى وقيام المرابى يوم القيامة كذلك مما نطقت به الآثار، فقد أخرج الطبرانى عن عوف بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياك والذنوب التى لا تغفر. الغلول فمن غل شيئا أتى به يوم القيامة، وأكل الربا فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنوناً يتخبط " ثم قرأ الآية، وهو مما لا يحيله العقل ولا يمنعه، ولعل الله - تعالى - جعل ذلك علامة له يعرف بها يوم الجمع الأعظم عقوبة له.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10