الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } * { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } هذا الكلام متصل بذكر الصدقات، فكأنه بين فيه جواز الصدقة على المشركين. روى سعيد بن جبير مرسلا عن النبى صلى الله عليه وسلم فى سبب نزول هذه الآية أن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة، فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم " فنزلت هذه الآية مبيحة للصدقة على من ليس من دين الإِسلام. وروى عن ابن عباس أنه قال كان ناس من الأنصار لهم قرابات من بنى قريظة والنضير كانوا لا يتصدقون عليهم رغبة منهم فى أن يسلموا إذا احتاجوا فنزلت الآية بسبب أولئك. ثم قال قال علماؤنا هذه الصدقة التى أبيحت لهم حسب ما تضمنته هذه الآثار هى صدقة التطوع، وأما المفروضة فلا يجزئ دفعها لكافر، لقوله صلى الله عليه وسلم، " أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها فى فقرائكم ". والمعنى ليس عليك يا محمد هداية من خالفك فى دينك. ولكن الله - تعالى - يهدى من يشاء هداينه إلى نور الإِيمان، وطريق الحق. وما دام الأمر كذلك فعليك وعلى أتباعك أن تعاملوا غيركم بما يوجبه عليكم إيمانكم من سماحة فى الخلق، وعطف على المحتاجين حتى ولو كانوا من المخالفين لكم فى الدين. وعلى هذا المعنى الذى يؤيده سبب النزول يكون الضمير فى قوله { هُدَاهُمْ } يعود على غير المسلمين. ومن المفسرين من يرى أن الضمير فى قوله { هُدَاهُمْ } يعود إلى المسلمين المخاطبين فى الآيات السابقة، فيكون المعنى لا يجب عليك أيها الرسول الكريم أن تجعل المسلمين جميعاً مهديين إلى الإِتيان بما أمروا به ومنتهين عما نهوا عنه من ترك المن والأذى والرياء فى صدقتهم، ولكن الله وحده هو الذى يهدى من يشاء هدايته إلى الاستجابة لتوجيهات هذا الدين الحنيف. قال الآلوسى وعلى هذا الرأى تكون الجملة معترضة جىء بها على طريق تلوين الخطاب وتوجيهه إلى سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم مع الالتفات إلى الغيبة فيما بين الخطابات المتعلقة بأولئك المكلفين مبالغة فى حملهم على الامتثال.. ثم قال " والذى يستدعيه سبب النزول رجوع ضمير { هُدَاهُمْ } إلى الكفار، وحينئذ لا التفات، وإنما هناك تلوين الخطاب فقط... ". ثم حض - سبحانه - المؤمنين على الإِنفاق فى وجوه الخير فقال { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } أى ما تقدمونه من مال فى وجوه البر - أيها المؤمنون - فإن نفعه سيعود عليكم بالسعادة فى الدنيا، وبالثواب الجزيل فى الآخرة، فكونوا أسخياء فى الإِحسان إلى الفقراء، وابتعدوا عن وسوسة الشيطان الذى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7