الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } * { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

النفقة هى العطاء العاجل فى باب من أبواب الخير. أما النذر فهو التزام قربة من القربات أو صدقة من الصدقات بأن يقول لله على نذر أن أفعل كذا من أنواع البر. أو أن شفى الله مريضى فسأفعل كذا. والمعنى وما أنفقتم - أيها المؤمنون - من نفقة عاجلة قليلة أو كثيرة، أو التزمتم بنفقة مستقبلة وعاهدتم الله - تعالى - على القيام بها، فإنه - سبحانه - يعلم كل شىء، ويعلم ما صاحب نياتكم من إخلاص أو رياء، ويعلم ما أنفقتموه أهو من جيد أموالكم أم من رديئها، وسيجازى المحسن بإحسانه والمسىء بإساءته. فالآية الكريمة بيان لحكم كلى شامل لجميع أفراد النفقات إثر بيان حكم ما كان منها فى سبيل الله - تعالى -. و { مَآ } فى قوله { وَمَآ أَنفَقْتُمْ } شرطية أو موصولة والفاء فى قوله { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ } رابطة الجواب الشرط إذا اعتبرنا ما شرطية، ومزيدة فى الخير إذا اعتبرناها موصولة و { مِّن } فى قوله { مِّن نَّفَقَةٍ } بيانية أو زائدة. وقوله { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ } كناية عن الجزاء عليه، لأن علم الله - تعالى - بالكائنات لا يشك فيه السامعون، فأريد لازم معناه وهو الجزاء. وإنما كان لازما له لأن القادر لا يصده عن الجزاء إلا عدم العلم بما يفعله المحسن أو المسئ. وهذه الجملة الكريمة مع إيجازها قد أفادت الوعد العظيم للمطيعين والوعيد الشديد للمتمردين، لأن الإِنسان إذا أيقن أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية من شئون خلقه، فإن هذا اليقين سيحمله على الطاعة والإِخلاص، وسيحضه على المسارعة فى الخيرات، خصوصاً وإن الجملة قد صدرت بإن المؤكدة، وتليت بلفظ الجلالة الدالة على الاستحقاق الكامل للألوهية. قال بعضهم وإنما قال - سبحانه - { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ } ولم يقل يعلمها لوجهين الأول أن الضمير عائد إلى الأخير - وهو النذر -، كما فى قوله - تعالى -وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً } والثانى أن الكناية عادت إلى ما فى قوله { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ } لأنها اسم كقولهوَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } وقوله { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } وعيد شديد للخارجين على طاعة الله أى ليس للظالمين أى نصير أو مغيث يمنع عقوبة الله عنهم. والمراد بالظالمين الواضعون للأشياء فى غير موضعها التى يجب أن توضع فيها، والتاركون لما أمرهم الله به، فيندرج فيهم الذين يبطلون صدقاتهم بالمن والأذى والرياء والذين يتصدقون بالردىء من أموالهم، والذين ينفقون أموالهم فى الوجوه التى نهى الله عنها، والذين لم يوفوا بنذورهم التى عاهدوا الله على الوفاء بها كما يندرج فيهم كل من ارتكب ما نهى الله عنه أو أهمل فيما كلفه الله به.

السابقالتالي
2