الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } * { ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

قال ابن كثير عن البراء بن عازب - رضى الله عنه - فى قول الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ }.. الآية قال نزلت فى الأنصار كانت الأنصار إذا كانت أيام جذاذ النخل أخرجت من نخيلها البسر فعلقوه على حبل بين الاسطوانتين فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل فقراء المهاجرين منه، فيعمد الرجل منهم إلى الحشف - أى التمر الردئ - فيدخله مع أفناء البسر يظن أن ذلك جائز فأنزل الله فيمن فعل ذلك الآية ". والمعنى يأيها الذين آمنوا اجعلوا نفقتكم التى تنفقونها فى سبيل الله من أطيب أموالكم التى اكتسبتموها عن طريق التجارة وغيرها. قال ابن عباس أمرهم الله - تعالى - بالإِنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئة وخبيثه، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً " قال - تعالى -لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وقوله { وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ } معطوف على ما قبله أى أنفقوا من طيبات أموالكم التى اكتسبتموها ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض من الحبوب والثمار والزروع وغيرها. وترك - سبحانه - ذكر كلمة الطيبات فى هذه الجملة لسبق ذكرها فى الجملة التى قبلها. فالآية الكريمة تأمر المؤمنين بأن يلتزموا فى نفقتهم المال الطيب فى كل وجه من وجوهه، بأن يكون جيداً نفيساً فى صنفه، وحلالا مشروعاً فى أصله. وقد أكد الله - تعالى - هذا الأمر بجملتين كريمتين فقال { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ }. قوله - تعالى - { وَلاَ تَيَمَّمُواْ } أى ولا تقصدوا وتتعمدوا. يقال تيممت الشىء ويممته إذا قصدته. ويقال يممت جهة كذا إذا قصدته. ومنه الإِمام لأنه المقصود المعتمد وأصل تيمموا تتيمموا فحذفت إحداهما تخفيفا. والخبيث هو الردئ من كل شىء وخبث الفضة والحديد ما نفاه الكير لأنه ينفى الردئ. ويطلق الخبيث على الشىء الحرام والمستقذر. والإِغماض فى اللغة - كما يقول الرازى - غض النظر وإطباق جفن على جفن، وأصله من الغموض وهو الخفاء، والمراد بالإِغماض ها هنا المساهلة وذلك لأن الإِنسان إذا رأى ما يكره أغمض عنه لئلا يرى ذلك. ثم كثر ذلك حتى جعل كل تجاوز ومساهلة فى البيع وغيره إغماضاً ". والمعنى أنفقوا أيها المؤمنون من أطيب أموالكم وأنفسها وأجودها، ولا تتحروا وتقصدوا أن يكون إنفاقكم من الخبيث الردىء، والحال أنكم لا تأخذونه إن أعطى لكم هبة أو شراء أو غير ذلك إلا أن تتساهلوا فى قبوله، وتغضوا الطرف عن رداءته، إذا كان هذا شأنكم فى قبول ما هو ردىء فكيف تقدمونه لغيركم؟ إن الله - ينهاكم عن ذلك لأن من شأن المؤمن الصادق فى إيمانه ألا يفعل لغيره إلا ما يجب أن يفعله لنفسه، ولا يعطى من شىء إلا ما يحب أن يعطى إليه، ففى الحديث الشريف

السابقالتالي
2 3 4