الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

المعنى { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } بأن تقول للسائل كلاما جميلا طيبا تجبر به خاطره، ويحفظ له كرامته " ومغفرة " لما وقع منه من إلحاف فى السؤال، وستر لحاله وصفح عنه، { خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى } أى خير من صدقة يتبعها المتصدق أذى للمتصدق عليه. لأن الكلمة الطيبة للسائل، والعفو عنه فيما صدر منه، كل ذلك يؤدى إلى رفع الدرجات عند الله، وإلى تهذيب النفوس، وتأليف القلوب وحفظ كرامة أولئك الذين مدوا أيديهم بالسؤال. أما الصدقة التى يتبعها الأذى فإن إيتاءها بتلك الطريقة يؤدى إلى ذهاب ثوابها، وإلى زيادة الآلام عند السائلين ولا سيما الذين يحرصون على حفظ كرامتهم، وعلى صيانة ماء وجوههم، فإن ألم الحرمان عند بعض الناس أقل أثرا فى نفوسهم من آلام الصدقة المصحوبة بالأذى، لأن ألم الحرمان يخففه الصبر الذى وراءه الفرج، أما آلام الصدقة المصحوبة بالأذى لهم فإنها تصيب النفوس الكريمة بالجراح التى من العسير التئامها وشفاؤها. قال القرطبى روى مسلم فى صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الكلمة الطيبة صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق " فعلى المسئول أن يتلقى السائل بالبشر والترحيب، ويقابله بالطلاقة والتقريب ليكون مشكورا إن أعطى ومعذوراً إن منع. وقد قال بعض الحكماء الق صاحب الحاجة بالبشر فإن عدمت شكره لم تعدم عذره ". وقوله { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } مبتدأ وساغ الابتداء بالنكرة لوصفها وللعطف عليها. وقوله { وَمَغْفِرَةٌ } عطف عليه وسوغ الابتداء بها العطف أو الصفة المقدرة إذ التقدير ومغفرة للسائل أو من الله وقوله { خَيْرٌ } خبر عنهما وقوله { يَتْبَعُهَآ أَذًى } فى محل جر صفة لصدقة. ثم ختم الله - تعالى - الآية بقوله { وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيم } أى والله - تعالى - غنى عن إنفاق المنفقين وصدقات المتصدقين. وإنما أمرهم بهما لمصلحة تعود عليهم. أو غنى عن الصدقة المصحوبة بالأذى فلا يقبلها. { حَلِيم } فلا يعجل بالعقوبة على مستحقها، فهو - سبحانه - يمهل ولا يهمل. والجملة الكريمة تذييل لما قبله مشتملة على الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب. وقوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ } نداء منه - سبحانه - للمؤمنين يكرر فيه نهيهم عن المن والأذى، لأنهما يؤديان إلى ذهاب الأجر من الله - تعالى - وإلى عدم الشكر من الناس ولذا جاء فى الحديث الشريف " إياكم والامتنان بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويحق الأجر ". ثم أكد - سبحانه - هذا النهى عن المن والأذى بذكر مثلين فقال فى أولهما { كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ }. والمعنى يا من آمنتم بالله - تعالى - لا تبطلوا صدقاتكم بأن تحبطوا أجرها، وتمحقوا ثمارها، بسبب المن والأذى، فيكون مثلكم فى هذا الإِبطال لصدقاتكم بسبب ما ارتكبتم من آثام، كمثل المنافق الذى ينفق ماله من أجل أن يرى الناس منه ذلك ولا يبغى به رضاء الله ولا ثواب الآخرة، لأنه كفر بالله، وكفر بحساب الآخرة.

السابقالتالي
2 3 4