الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

ذكر بعض المفسرين أن هاتين الآيتين نزلنا فى صدقة عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، وذلك " أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حث الناس حين أراد الخروج إلى غزوة تبوك، جاء عبد الرحمن بأربعة آلاف درهم فقال يا رسول الله كانت لى ثمانية آلاف فأمسكت لنفسى ولعيالى أربعة آلاف، وأربعة آلاف أفرضتها لربى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت " وجاء عثمان بألف دينار فى جيش العسرة فصبها فى حجر الرسول صلى الله عليه وسلم قال عبد الرحمن بن سمرة - راوى الحديث - فرأيته صلى الله عليه وسلم يدخل يده فيها ويقلبها ويقول " ماضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم اللهم لا تنس هذا اليوم لثعمان " وقال أبو سعيد الخدرى رأيت النبى صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان ويقول " يا رب عثمان إنى رضيت عن عثمان فارض عنه ". ونزول هاتين الآيتين فى شأن صدقة هذين الصحابيين الجليلين لا يمنع من شمولهما لكل من نهج نهجهما، وبذل من ماله فى سبيل الله. و " المثل " ، الشبه والنظير. ثم أطلق على القول السائر المعروف لمماثلة مضربه لمورده الذى ورد فيه أولا. ثم استعير للصفة أو الحال أو القصة إذا كان لها شأن وفيها غرابة، وعلى هذا المعنى يحمل المثل فى هذه الآية. و " الحبة " كما يقول القرطبى - اسم جنس لكل ما يزدرعه ابن آدم ويقتاته، وأشهر ذلك البر فكثيرا ما يراد بالحب. وسنبلة - بوزن فنعلة - من أسبل الزرع إذا صار فيه السنبل، أى استرسل بالسنبل كما يسترسل الستر بالاسبال. وقيل معنه صار فيه حب مستور كما يستر الشىء بإسبال الستر عليه. والجمع سنابل. والمعنى مثل صدقة الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله، أى فى طاعته، كمثل حبة ألقيت فى أرض طيبة، أصابها الغيث، فخرجت الحبة على هيئة زرع قوى جميل فأنبتت فى الوقت المناسب لإِنباتها سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة. فأنت ترى أن الخالق - عز وجل - قد شبه حال الصدقة التى ببذلها المؤمن فى سبيل الله فيكافئه الله - تعالى - عليها بالثواب العظيم، بحال الحبة التى تلقى فى الأرض النقية فتخرج عودا مستويا قائما قد تشعب إلى سبع شعب، فى كل شعبة سنبلة، وفى كل سنبلة مائة حبة. وفى هذا التشبيه ما فيه من الحض على الإِنفاق فى وجه الخير، ومن الترغيب فى فعل البر ولا سيما النفقة فى الجهاد فى سبيل الله. قال ابن كثير " وهذا المثل أبلغ فى النفوس من ذكر عدد السبعمائة.

السابقالتالي
2 3