الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قال الآلوسى ما ملخصه قوله { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } معطوف على سابقه - وهو قولهأَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ } والكاف اسمية بمعنى مثل معمولة لا رأيت محذوفاً. أى أو أرأيت مثل الذى مر على قرية.. وحذف لدلالة { أَلَمْ تَرَ } عليه. وقيل إن الكاف زائدة والتقدير ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم أو الذى مر على قرية.. وقيل إن العطف هنا محمول على المعنى كأنه قيل أرأيت شيئاً عجيباً - كالذى حاج إبراهيم فى ربه، أو كالذى مر على قرية ". والذى { مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } قيل هو عزير بن شرخيا، وقيل حزقيال بن بوزى وقيل غير ذلك، والقرية قيل المراد بها بيت المقدس وكان قد خربها " بختنصر " البابلى.. والقرآن الكريم لم يهتم بتحديد الأشخاص والأماكن لأنه يقصد العبرة وبيان الحال والشأن. وجملة { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } فى موضع الحال من الضمير المستتر فى { مَرَّ } والواو رابطة بين الجملة الحالية وبين صاحبها والإِتيان بها واجب لخلو الجملة من ضمير يعود على صاحبها وقيل هى حال من قرية، وسوغ إتيان الحال منها مع كونها نكرة وقوعها بعد الاستفهام المقدر وهو أرأيت ومعنى { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } أن جدرانها ساقطة على سقوفها، أى أن الخراب قد عمها والدمار قد نزل بها، فأصبحت خالية من أهلها وفارغة ممن كان يعمرها وأصل الخواء الخلو. يقال خوت الدار وخربت تخوى خواء إذا سقطت وخلت. والعروش جمع عرش وهو سقف البيت ويسمى العريش، وكل شىء يهيأ ليظل أو يكنّ فهو عريش وعرش. وقوله - تعالى - { قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } حكاية لما قاله ذلك الذى مر على تلك القرية ورأى فيها ما رأى من مظاهر الخراب والدمار والمعنى أو أرأيت مثل الذى مر على قرية وهى ساقطة حيطانها على سقوفها، وفارغة ممن كان يسكنها، فهاله أمرها، وراعه شأنها، وقال على سبيل التعجب كيف يحيى الله هذه القرية بعد موتها، بأن يعيد إليها العمران بعد الخراب، ويجعلها عامرة بسكانها الذى خلت منهم. فقوله { قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ } بمعنى كيف فتكون منصوبة على الحالية من اسم الإِشارة ويجوز أن تكون { أَنَّىٰ } هنا بمعنى متى أى متى يحيى الله هذه القرية بعد موتها فتكون منصوبة على الظرفية. وقال القرطبى قوله { قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } معناه من أى طريق وبأى سبب، وظاهر اللفظ السؤال عن إحياء القرية بعمارة وسكان، كما يقال الآن فى المدن الخربة يبعد أن تعمر وتسكن أى أنى تعمر هذه بعد خرابها. فكأن هذا تلهف من الواقف المعتبر على مدينته التى عهد فيها أهله وأحبته ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6