الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

الإِكراه معناه حمل الغيرعلى قول أو فعل لا يريده عن طريق التخويف أو التعذيب أو ما يشبه ذلك. والمراد بالدين دين الإِسلام والألف واللام فيه للعهد. والرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلبه فيه، مصدر رشد يرشد ويرشد أى اهتدى. والمراد هنا الحق والهدى. والغى ضد الرشد. مصدر من غوى يغوى إذا ضل فى معتقد أو رأى، ويرى بعض العلماء أن نفى الإِكراه هنا خبر فى معنى النهى، أى لا تكرهوا أحداً على الدخول فى دين الإِسلام فإنه بين واضح فى دلائله وبراهينه، فمن هداه الله له ونور بصيرته دخل فيه على بصيرة، ومن أضله وأعمى قلبه لا يفيده الإِكراه على الدخول فيه. وقال بعض العلماء إن الجملة هنا على حالها من الخبرية والمعنى ليس فى الدين - الذى هو تصديق بالقلب، وإذعان فى النفس - إكراه وإجبار من الله - تعالى - لأحد، لأن مبنى هذا الدين على التمكين والاختيار، وهو مناط الثواب والعقاب، لولا ذلك لما حصل الابتلاء والاختبار، ولبطل الامتحان. أو المعنى كما يرى بعضهم - إن من الواجب على العاقل بعد ظهور الآيات البينات على أن الإِيمان بدين الإِسلام حق ورشد. وعلى أن الكفر به غى وضلال، أن يدخل عن طواعية واختيار فى دين الإِسلام الذى ارتضاه الله وألا يكره على ذلك بل يختاره بدون قسر أو تردد. فالجملة الأولى وهى قوله - تعالى - { لاَ إِكْرَاهَ فى ٱلدِّينِ } تنفى الإِجبار على الدخول فى الدين، لأن هذا الإجبار لا فائدة من ورائه، إذ التدين إذعان قلبى، واتجاه بالنفس والجوارح إلى الله رب العالمين بإرادة حرة مختارة فإذا أكره عليه الإِنسان إزداد كرهاً له ونفوراً منه. فالإِكراه والتدين نقيضان لا يجتمعان، ولا يمكن أن يكون أحدهما ثمرة للآخر. والجملة الثانية وهى قوله - تعالى - { قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ } بمثابة العلة لنفى هذا الإِكراه على الدخول فى الدين، أى قد ظهر الصبح لذى عينين، وانكشف الحق من الباطل، والهدى من الضلال وقامت الأدلة الساطعة على دين الإِسلام هو الدين الحق وغيره من الأديان ضلال وكفران وما دام الأمر كذلك فقد توافرت الأسباب التى تدعو إلى الدخول فى دين الإِسلام، ومن كفر به بعد ذلك فليحتمل نتيجة كفره، وسوء عاقبة أمره. ثم قال - تعالى - { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا }. الطاغوت اسم لكل ما يطغى الإِنسان، كالأصنام والأوثان والشيطان وكل رأس فى الضلال وكل ما عبد من دون الله. وهو مأخوذ من طغا يطغى - كسعى يسعى - طغياً وطغياناً، أو من يطغو طغوا طغواناً، إذا جاوز الحد وغلا فى الكفر وأسرف فى المعاصى والفجور.

السابقالتالي
2 3