الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

قال بعضهم هذه آية الكرسى أفضل آية من القرآن. ومعنى الفضل أن الثواب على قراءتها أكثر منه على غيرها من الآيات. هذا هو التحقيق فى تفضيل بعض آيات القرآن على بعض. وإنما كانت أفضل لأنها جمعت من أحكام الألوهية وصفات الإِله الثبوتية والسلبية ما لم تجمعه آية أخرى. جاء فى الحديث الشريف عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لكل شىء سنام وإن سنام القرآن البقرة، وفيها آية هى سيدة القرآن - أى أفضله - وهى آية الكرسى ". وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر جمل فيها ما فيها من صفات الله الجليلة - ونعوته السامية. أما الجملة الأولى والثانية فتتمثل فى قوله - تعالى - { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ }. ولفظ الجلالة { ٱللَّهُ } يقول العلماء إن أصله إله دخلت عليه أداة التعريف " أل " وحذفت الهمزة فصارت الكلمة الله. قال القرطبى قوله { ٱللَّهُ } هذا الاسم أكبر أسمائه - تعالى - وأجمعها، حتى قال بعضهم إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع، فالله اسم الموجود الحق الجامع لصفات الألوهية، المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد بالوجود الحقيقى، لا إله إلا هو - سبحانه - ". ولفظ { إِلَـٰهَ } قالوا إنه من أله فلان يأله أى عبد. فالإِله على هذا المعنى هو المعبود، وقيل هو من أله أى تحير.. وذلك أن العبد إذا تفكر فى صفاته - سبحانه - تحير فيها ولذا قيل " تفكروا فى آلاء الله ولا تفكروا فى الله ". و { ٱلْحَيُّ } أى الباقى الذى له الحياة الدائمة التى لا فناء لها. لم تحدث له الحياة بعد موت، ولا يعتريه الموت بعد الحياة، وسائر الأحياء سواه يعتريهم الموت والفناء. و { ٱلْقَيُّومُ } أى الدائم القيام بتدبير أمر الخلق وحفظهم، والمعطى لهم ما به قوامهم. وهو مبالغة فى القيام. وأصله قيووم - بوزن فيعول - من قام بالأمر إذا حفظه ودبره. والمعنى الله - عز وجل - هو الإِله الحق المتفرد بالألوهية التى لا يشاركه فيها سواه، وهو المعبود بحق وكل معبود سواه فهو باطل، وهو ذو الحياة الكاملة، وهو الدائم القيام بتدبير شئون الخلق وحياطتهم ورعايتهم وإحيائهم وإماتتهم. والجملة الثالثة قوله - تعالى - { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } وهى جملة سلبية مؤكدة للوصف الإِيجابى السابق، فإن قيامه على كل نفس ما كسبت، وعلى تدبير شئون خلقه يقتضى ألا تعرض له غفلة، ولأن السنة والنوم من صفات الحوادث وهو - سبحانه - مخالف لها. والسنة الفتور الذى يكون فى أول النوم مع بقاء الشعور والإِدراك.

السابقالتالي
2 3 4