الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

الإِشارة بتلك فى قوله { تِلْكَ ٱلرُّسُل } إلى جماعة الرسل الذين تقدم ذكرهم فى السورة والذين أرسلهم الله - تعالى - لهداية البشر، وأمرنا - سبحانه - بالإِيمان بهم. أى أولئك الرسل الذين أرسلناهم لهداية الناس { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أى جعلنا لبعضهم مناقب وخصائص ومزايا لم تتوافر للبعض الآخر. و { تِلْكَ } مبتدأ و { ٱلرُّسُلُ } عطف بيان لتلك. وجملة { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } هى الخبر. وكانت الإِشارة باللفظ الدال على البعيد، لبيان سمو مكانة الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وأنهم هم المصطفون الأخيار. ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر التفضيل فقال { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } أى منهم من فضله الله بتكليمه إياه كموسى - عليه السلام - فقد وردت آيات صريحه فى ذلك، منها قوله - تعالى -وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } وقوله - تعالى -قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } وقوله - تعالى -وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } ثم قال - سبحانه - { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } أى ومنهم من رفعه الله على غيره من الرسل مراتب سامية ومنازل عالية. قيل كإبراهيم الذى اتخذه الله خليلا، وإدريس الذى رفعه الله مكاناً علياً، وداود الذى آتاه الله النبوة والملك. والذى عليه المحققون من العلماء والمفسرين أن المقصود بقوله - تعالى - { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه هو صاحب الدرجات الرفيعة والمعجزة الخالدة الباقية إلى يوم القيامة والرسالة العامة الناسخة لكل الرسالات قبلها. وقد صرح صاحب الكشاف بذلك فقال قوله { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } أى ومنهم من رفعه الله على سائر الأنبياء، فكان بعد تفاوتهم فى الفضل أفضل منهم درجات كثيرة. الظاهر أنه أراد محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه هو المفضل عليهم، حيث أوتى ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ألف آية أو أكثر. لو لم يؤت إلا القرآن وحده لكفى به فضلا منيفاً على سائر ما أوتى الأنبياء، لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات. وفى هذا الإِبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى، لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذى لا يشتبه، والمتميز الذى لا يلتبس. ويقال للرجل من فعل هذا؟ فيقول أحدكم أو بعضكم، يريد به الذى تعورف واشتهر بنحوه من الأفعال فيكون أفخم من التصريح، وسئل الخطيئة عن أشعر الناس، فذكر زهيراً والنابغة ثم قال ولو شئت لذكرت الثالث، أراد نفسه، ولو قال ولو شئت لذكرت نفسى أو يفخم أمره. ثم قال - تعالى - { وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ }.

السابقالتالي
2 3