الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ } * { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }

لعل السر فى توسط هاتين الآيتين بين آيات الأحكام التى تحدثت عن الطلاق، والعدة والرضاع والخطبة... إلخ، لعل السر فى ذلك أن هذه الأمور كثيراً ما تكون مثار تنازع وتخاصم وتقاطع بين الناس، فأراد القرآن بطريقته الحكيمة، وبأسلوبه المؤثر أن يقول للناس إن محافظتكم على الصلاة، ومداومتكم على طاعة الله وذكره كل ذلك سيعرض فى نفوسكم المراقبة له - سبحانه -، والخشية من عقابه، وسيعينكم على أن تحلوا قضاياكم التى تتعلق بالطلاق وغيره بالعدل والإِحسان والتسامح والتعاطف، لأن من حافظ على فرائض الله وأومره، انصرفت نفسه عن ظلم الناس، وعاملهم معاملة كريمة حسنة. وقد بين القرآن فى كثير من آياته أن المحافظة على الصلاة بخشوع وخضوع لله - تعالى - وأن المداومة على ذكره، والملازمة لطاعته كل ذلك من شأنه أن يمنع الإِنسان من الوقوع فيما نهى الله عنه، قال - تعالى -ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } وقال - تعالى -وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } وقال - تعالى -وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } فكأن الله - تعالى - يقول للناس لقد أمرتكم بالمحافظة على الصلاة، وبالمداومة على طاعتى وذكرى خلال حديثى عن أحكام كثيراً ما تكون هذه الأحكام مثار تنازع بينكم، وذلك لكى تحلوا التسامح والتواصل والتقارب محل التشاحن والتدابر والتجافى، لأن من شأن المحافظة على هذه العبادات، أن تهدى الناس إلى أكمل الأخلاق والصفات. فسبحان من هذا كلامه، ومن تلك إرشاداته وتوجيهاته، ووصاياه. وقوله - تعالى - { حَافِظُوا } من الحفظ بمعنى ضبط الشىء، وصيانته عن كل تضييع، وهو خلاف النسيان. والخطاب لجميع المكلفين من أفراد الأمة. والمعنى حافظوا على معشر المسلمين والمسلمات على أداء الصلوات فى أوقاتها بخشوع وخضوع وإخلاص لله رب العالمين، وحافظوا بصفة خاصة على الصلاة الوسطى، لما لها من منزلة سامية، ومكانة عالية. فقد أمر الله - تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات بصفة عامة، وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر تفخيماً لشأنها، وإعلاء لقدرها من بين أفراد جنسها. والمسلم يكون محافظاً على الصلاة إذا أداها فى وقتها مستوفية لآدابها وسننها وشرائعها وخشوعها وكل ما يتعلق بها، أما إذا قصر فى شىء من ذلك فإنه لا يكون محافظاً عليها تلك المحافظة التامة التى أمر الله بها. وفى قوله - تعالى - { حَافِظُوا } تنبيه إلى أن الصلاة فى ذاتها شىء نفيس ثمين تجب المحافظة عليه، لأن هذه الكلمة تدل على الصيانة والضبط بجانب دلالتها على الأداء والإِقامة والمداومة.

السابقالتالي
2 3 4 5