الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قوله - تعالى - { مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ } أى ما لم تجامعوهن ولم تدخلوا بهن والمس فى أصل معناه اللمس، ويقال فيما معه إدراك بحاسة اللمس، ثم أطلق على سبيل الكناية على ما يكون بين المرء وزوجه من جماع ومباشرة وعلى غير ذلك مما يكون فيه إصابة حسية أو معنوية. وهذه الكناية من ألطف الكنايات التى تربى فى الإِنسان حسن الأدب، وسلامة التعبير، وتجنبه بالنطق بالألفاظ الفاحشة. وقد تكرر هذا التعبير المهذب فى القرآن الكريم ومن ذلك قوله - تعالى - حكاية عن مريمقَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ... } والمراد بالفريضة هنا المهر الذى يفرضه الرجل على نفسه للمرأة قبل الدخول بها. والمعنى لا إثم عليكم أيها الرجال إذا طلقتم النساء لأسباب مشروعة، وبطريقة مرضية، قبل الدخول بهن، وقبل أن تقدروا لهن مهراً معيناً. ثم بين - سبحانه - ما للمرأة على الرجل فى هذه الحالة فقال { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ }.. قوله - تعالى - { وَمَتِّعُوهُنَّ } أى ملكوهن ما ينتفعن به، ويدخل التسلية والسرور على نفوسهن. وأصل المتعة والمتاع ما ينتفع به الإِنسان من مال أو كسوة أو غير ذلك، ثم أطلقت المتعة على ما يعطيه الرجل للمرأة من مال أو غيره عند طلاقها منه لتنتفع به، جبراً لخاطرها، وتعويضاً لما نالها بسبب هذا الفراق. و { ٱلْمُوسِعِ } هو الغنى الذي يكون فى سعة من غناه. يقال أوسع الرجل إذ كثر ماله، واتسعت حاله. و { ٱلْمُقْتِرِ } هو الفقير الذي يكون فى ضيق من فقره. أقتر الرجل أى افتقر وقل ما فى يده. والمعنى لا حرج عليكم فى طلاقكم للنساء قبل أن تدخلوا بهن وقبل أن تقدروا لهن مهراً معيناً، وليس من حقهن عليكم فى هذه الحالة أن يطالبنكم بالصداق، وإنما من حقهن عليكم أن تمتعوهن بأن تدفعوا لهن ما ينتفعن به كل على حسب حاله وطاقته، فالأغنياء يدفعون ما يناسب غناهم وسعتهم، والفقراء يدفعون ما يناسب حالهم. وقوله { مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ } أى أعطوهن ما يتمتعن وينتفعن به بالقدر المتعارف عليه بين العقلاء، فلا يعطى الغنى ما لا يتناسب مع غناه ولا مع حال المرأة التى طلقها، ولا يعطى الفقير شيئاً تافهاً لا يسمى فى عرف العقلاء متاعاً كما أنه لا يكلف فوق استطاعته، لأن المتاع ما سمى بهذا الاسم إلا لأنه يتمتع به وينتفع به لفترة من الزمان. وقوله { حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } تأكيد لهذا التمتيع الذى هو من حق المرأة على الرجل الذي طلقها قبل أن يدخل بها وقيل أن يسمى لها مهراً. أى هذا التمتيع حق ثابت على المحسنين الذين يحسنون إلى أنفسهم بامتثالهم لأوامر الله، وبترضيتهم لنفوس هؤلاء المطلقات اللاتى تأثرن بسبب هذا الفراق.

السابقالتالي
2 3 4