الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

قوله { يُتَوَفَّوْنَ } - بالبناء للمجهول - أى تقبض أرواحهم فإن التوفى هو القبض. يقال توفيت مالى من فلان واستوفيته منه أى قبضته وأخذته. قال - تعالى -ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } أى يقبض الأنفس ويأخذها إليه بالموت حين انتهاء آجالها. والمعنى والذين يتوفاهم الله - تعالى - منكم - أيها المسلمون - ويتركون من خلفهم أزواجاً. فعلى هؤلاء الأزواج اللائى ارتبطن برجالهم ارتباطاً قوياً متيناً ثم فرق الموت بينهم وبينهن، عليهن أن { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } أى عليهن أن ينتظرن انقضاء عدتهن فيحبسن أنفسهن عن الزواج وعن التزين وعن التعرض للخطاب مدة أربعة أشهر وعشر ليال، وفاء لحق الزوج المتوفى، واستبراء للرحم. قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه هذا أمر من الله - تعالى - للنساء اللاتى يتوفى عنهن أزواجهن أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال. وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بالإِجماع، ومستند هذا الإِجماع فى غير المدخول بها عموم الآية الكريمة، وهذا الحديث الذى رواه الإِمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذى أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها فقال أقول فيها برأيى فإن يك صواباً فمن الله، وإن يك خطأ فمنى ومن الشيطان. والله - تعالى - ورسوله بريئان منه لها الصداق كاملا. وفى لفظ لها صداق مثلها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث. فقام معقل بن يسار فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به فى بَرَوعَ بنت واشق. ففرح عبد الله بذلك فرحاً شديداً. لا ويخرج من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها وهى حامل فإن عدتها بوضع الحمل لعموم قوله - تعالى -وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وكان ابن عباس يرى أن عليها أن تتربص بأبعد الأجلين من الوضع أو أربعة أشهر وعشرة أيام للجمع بين الآيتين ". وقوله { وَٱلَّذِينَ } اسم موصول مبتدأ. و { يُتَوَفَّوْنَ } صلته، و { مِنكُمْ } فى موضع النصب على الحال من الواو فى { يُتَوَفَّوْنَ } و { يَتَرَبَّصْنَ } وما بعده خبر عن الذين والرابط محذوف والتقدير يتربصن بعدهم أربعة أشهر وعشرا. والتعبير بقوله { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } تعبير دقيق حكيم أى عليهن أن يمنعن أنفسهن عن النكاح وعن التزين وعن الخروج من منزل الزوجية - إلا إذا كانت هناك ضرورة لهذا الخروج - مدة أربعة أشهر وعشرة أيام، وذلك لأن المرأة المؤمنة الوفية يأبى عليها دينها ووفاؤها لزوجها المتوفى عنها، أن تعرض نفسها على غيره بعد فترة قصيرة من وفاته، فإن هذا أمر مستهجن فى شرع الله وفى عرف العقلاء من الناس. إذ هذه المدة التى جاءت فى الآية التى حددها الله - تعالى - لمعرفة براءة الرحم من الحمل، وهى التى تخف فيها مرارة الفراق بين زوجين ربط الله بينهما برابطة المودة والرحمة.

السابقالتالي
2 3