الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

العرضة فعلة - بضم الفاء - بمعنى مفعول كالقبضة والغرقة، وهى اسم لكل ما يعترض الشىء فيمنع من الوصول إليه، واشتقاقها من الشىء الذى يوضع فى عرض الطريق فيصير مانعاً للناس من السلوك والمرور يقال فلان عرضة دون الخير أى حاجز عنه. وتطلق كذلك على النصبة التى تتعرض للسهام وتكون هدفا لها، ومنه قولهم فلان عرضة للناس إذا كانوا يقعون فيه ويعرضون له بالمكروه. قال الشاعر
دعونى أنح وجداً كنوح الحمائم ولا تجعلونى عرضة للوائم   
يريد اتركونى أنح من الشوق ولا تجعلونى معرضاً للوم اللوائم. والأيمان جمع يمين وتطلق بمعنى الحلف والقسم، واصل ذلك أن العرب كانوا إذا أرادوا توثيق عهودهم بالقسم يقسمونه وضع كل واحد من المتعاهدين يمينه فى يمين صاحبه، و " تبروا " من البر وهو الأمر المستحسن شرعا. والمعنى على الوجه الأول لا تجعلوا الحلف بالله - أيها المؤمنون - حاجزاً ومانعاً عن البر والتقوى والإِصلاح بين الناس، وذلك أن بعض الناس كان إذا دعى إلى فعل الخير وهو لا يريد أن يفعله يقول حلفت بالله ألا أفعله فنهاهم الله - تعالى - عن سلوك هذا الطريق. وهذا المعنى هو الذى رجحه كثير من المفسرين لأنه هو المناسب لما يجئ بعد ذلك من قوله - تعالى - { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } ووجه المناسبة أن الله - تعالى - يكره للمؤمن أن يجعل الحلف به مانعاً من رجوعه إلى أهله ولأن هناك أحاديث كثيرة تحض من حلف على ترك أمر من أمور الخير أن يكفر عن يمينه وأن يأتى الأمر الذى فيه خير، ومن هذه الأحاديث ما جاء فى الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنى والله إن شاء الله، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذى هو خير وتحللتها ". وروى مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى عليه وسلم " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذى هو خير ". وشبيه بهذه الآية فى النهى عن الحلف على ترك فعل الخير قوله - تعالى - فى شأن سيدنا أبى بكر عندما أقسم ألا ينفق على قريبه الذى خاض فى شأن ابنته عائشةوَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ في سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ } فالآية على هذا الوجه تنهى المؤمن عن المحافظة على اليمين إذا كانت هذه اليمين مانعة من فعل الخير. واللام فى قوله { لأَيْمَانِكُمْ } متعلق بعرضة، وقوله { أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ } مفعول لأجله أى لا تجعلوا الحلف بالله سبباً فى الامتناع عن عمل البر والتقوى والإِصلاح بين الناس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6