الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } * { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

روى الإِمام مسلم فى صحيحه عن أنس بن مالك - رضى الله عنه - أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها فى البيوت أى لا يسكنون معهن - فسأل الصحابة النبى صلى الله عليه وسلم فأنزل الله - تعالى - { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى }. الآية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصنعوا كل شىء إلا النكاح. فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا يارسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظنا أن قد وجد عليهما - أى غضب - فاستقبلتهما هدية من لبن إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأرسل فى آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما. والمحيض الحيض مصدر حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحاضاً ومحيضا فهى حائض، وأصله السيلان. يقال حاض الوادى إذا سال، ومنه الحوض لسيلان الماء إليه. ثم أطلق الحيض على ما يقذفه رحم المرأة من دم فى أوقات مخصوصة على وجه مخصوص. والأذى الشىء الذى يتأذى منه الإِنسان ويصيبه الضرر بسببه. والسؤال كان من بعض الصحابة، لأنه لقوة إيمانهم كانوا يحبون أن يعرفوا حكم الإِسلام فى شئونهم الخاصة والعامة، ولأنهم وجدوا أن اليهود وغيرهم يعاملون المرأة فى حال حيضها معاملة غير كريمة فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر الذى يتصل بأدق العلاقات بين الرجل والمرأة وهو حكم مباشرة النساء فى حال الحيض، فأجابهم الله - تعالى - جواباً شافياً. والمعنى ويسألك أصحابك يا محمد عن حكم مباشرة النساء فى حال الحيض فقل لهم معلماً وموجهاً إن الحيض أى الدم الذى يلفظه رحم المرأة فى وقت معين أذى يتأذى به الإِنسان تأذياً حسيماً جسيماً، فرائحته يتأذى منها من يشمها، وهو فى ذاته شىء متقذر تعافه النفوس، وتنفر منه الطباع. وقوله { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ في ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } بيان للحكم المتفرع على تلك الحالة التى يتأذى منها وهى حالة الحيض. والاعتزال التباعد، وهو هنا كناية عن ترك الجماع والمباشرة، كما أن النهى عن قربهن كناية عن النهى عن جماعهن، يقال قرب الرجل امرأته إذا جامعها. و { يَطْهُرْنَ } من الطهر - بضم الطاء - بمعنى النقاء من الوسخ والقذر -. والمعنى عليكم أيها المؤمنون أن تمتنعوا عن مباشرة النساء فى زمن حيضهن، ولا تجامعوهن حتى يطهرن من ذلك، لأن غشيانهن فى هذه الحالة يؤذيكم بسبب عدم نقاء المحل الذى يكون فيه الغشيان للمرأة، والمرأة أيضاً تتأذى من مباشرتها فى زمن الحيض لأنها لا تكون فى حالة تستسيغ معها المباشرة، فجهازها التناسلى فى حالة اضطراب، وهيئتها العامة فى حالة تجعلها من شأنها أن تنفر من الجماع، والولد الذى يأتى عن طريق الجماع فى حالة الحيض - على فرض إتيانه فى هذه الحالة - كثيراً ما يأتى مشوها ضعيفاً، لأن النطفة إذا اختلطت بدم الحيض، أخذت البويضات فى التخلق قبل وقت صلاحيتها للتخلق النافع الذى يكون وقته بعد انتهاء فترة الحيض وقد قال بذلك الأطباء الثقاة.

السابقالتالي
2 3 4 5