الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }

قال القرطبى قال قتادة والسدى وأكثر المفسرين نزلت هذه الآية فى غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة والحر والبرد وسوء العيش وأنواع الشدائد، وكانوا كما قال - تعالى -إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } وقيل نزلت فى حرب أحد، ونظيرها - فى آل عمرانأَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ.. } وقالت فرقة نزلت الآية تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدى المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله، وأسر قوم من الأغنياء النفاق فأنزل اله ذلك تطيبا لقلوبهم ". وما ذكره المفسرون فى سبب نزول هذه الآية الكريمة لا يمنع عمومها، وأنها تدعو المؤمنين فى كل زمان ومكان إلى التذرع بالصبر والثبات تأسيا بمن سبقهم من المتقين حتى يفوزوا برضوان الله - تعالى - ونصره. و { أَمْ } هنا يرى بعضهم أنها للاستفهام الإِنكارى، ويرى بعض آخر أنها أم المتصلة، ويرى فريق ثالث أنها أم المنقطعة. قال الجمل وحسب هنا من أخوات ظن تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، وأن وما بعدها سادة مسد المفعولين عند سيبويه، ومسد الأول عند الأخفش والثانى محذوف، ومضارعها فيه وجهان الفتح وهو القياس والكسر. و { وَلَمَّا } تدل على النفى مع توقع حصول المنفى بها، كما فى قول النابغة
أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد   
فنفى بلما ثم قال وكأن قد، أى وكأنه قد زالت. و { ٱلْبَأْسَآءُ } ما يصيب الناس فى الأموال كالفقر. والضراء ما يصيبهم فى الأنفس كالمرض مشتقان من البؤس والضر. و { وَزُلْزِلُواْ } من الزلزلة وهى شدة التحريك وتكون فى الأشخاص وفى الأحوال. فيقال زلزلت الأرض، أى تحركت واضطربت، ومعنى زلزلوا خوفوا وأزعجوا واضطربوا. والمعنى على أن { أَمْ } للاستفهام الإِنكارى أظننتم أيها المؤمنون أنكم تدخلون الجنة بمجرد الإِيمان دون أن يصيبكم ما أصاب الذين سبقوكم من شداد فى الأنفس والأموال، ومن مخاوف أزعجتهم وأفزعتهم حتى بلغ الأمر برسولهم وبالمؤمنين معه أن يقولوا وهم فى أقصى ما تحتمله النفوس البشرية من آلام متى نصر الله؟!! لا - أيها المؤمنون - إنى أنهاكم أن تظنوا هذا الظن، وآمركم أن تتيقنوا من أن الظفر بدخول الجنة يستلزم منكم التأسى بمن سبقكم من المتقين فى الصبر والثبات. والمعنى على أن { أَمْ } هنا هى المتصلة - أى المشعرة بمحذوف دل عليه الكلام - قد خلت من قبلكم أمم أوتوا الكتاب واهتدوا إلى الحق فآذاهم الناس أذى شديدا فصبروا على ذلك أفتصبرون مثلهم على المكاره وتثبتون ثباتهم على الشدائد؟ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة دون أن يصيبكم ما أصابهم؟ والمعنى على أن { أَمْ } هنا منقطعة - أى تدل على الإِضراب والاستفهام معا - لقد أوذيتم أيها المؤمنون فى سبيل دينكم أذى عظيماً، فعليكم أن تصبروا وأن تثبتوا كما فعل الذين من قبلكم، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة دون ابتلاء وصبر.

السابقالتالي
2 3