الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قال الفخر الرازى اعلم أنه - تعالى - لما بين فى الآية المتقدمة أن سبب إصرار هؤلاء الكفار على كفرهم هو حب الدنيا، بين هذه الآية أن هذا المعنى غير مختص بهذا الزمان، بل كان حاصلا فى الأزمنة المتقادمة، لأن الناس كانوا أمة واحدة قائمة على الحق ثم اختلفوا، وما كان اختلافهم إلا بسبب البغى والتحاسد والتنازع فى طلب الدنيا ". و { أُمَّةً } القوم المجتمعون على الشىء الواحد يقتدى بعضهم ببعض مأخوذ من أم بمعنى قصد لأن كل واحد من أفراد القوم يؤم المجموع ويقصده فى مختلف شؤونه. وللعلماء أقوال فى معنى قوله - تعالى - { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ }. القول الأول الذى عليه جمهور المفسرين أن المعنى كان الناس أمة واحدة متفقين على توحيد الله - تعالى - مقرين له بالعبودية مجتمعين على شريعة الحق ثم اختلفوا ما بين ضال ومهتد، فبعث الله إليهم النبيين ليبشروا من اهتدى منهم بجزيل الثواب، ولينذروا من ضل بسوء العذاب، وليحكموا بينهم فيما اختلفوا فيه بالحكم العادل، والقول الفاصل. قال القفال ويشهد لصحة هذا الرأى قوله - تعالى - { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ... } فهذا يدل على أن الأنبياء - عليهم السلام - إنما بعثوا حين الاختلاف، ويتأكد هذا بقولهوَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ } ويتأكد أيضاً بما نقل عن ابن مسعود أنه قرأ { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ.. }. و " كان " على هذا الرأى على بابها من المضى، وعدم استمرار الحكم، وعدم امتداده إلى المستقبل، لأن الناس كانوا مهتدين ثم زالت الهداية عنهم أو عن كثير منهم بسبب اختلافهم فأرسل الله - تعالى - رسله لهدايتهم. القول الثانى يرى أصحابه أن المعنى كان الناس أمة واحدة مجتمعين على الضلال والكفر فبعث الله النبيين لهدايتهم. و " كان " على هذا الرأى - أيضاً - على بابها من المضى والانقضاء، ولا تحتاج على هذا الرأى إلى تقدير كلام محذوف، وهو ثم اختلفوا فبعث.. إلخ. ومن العلماء الذين رجحوا القول الأول الإِمام ابن كثير فقد قال عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.. وهكذا قال قتادة ومجاهد. وقال العوفى عن ابن عباس { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } يقول كانوا كفاراً { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ } والقول الأول عن ابن عباس وهو أصح سنداً ومعنى لأن الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام فبعث الله إليهم نوحاً - عليه السلام - فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض.

السابقالتالي
2 3 4 5