الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

{ ٱلسِّلْمِ } - بكسر السين وفتحها مع إسكان اللام - بمعنى واحد، ويطلقان على الإِسلام وعلى المسالمة. وبعضهم فرق بين اللفظين فجعل { ٱلسِّلْمِ } بكسر السين - للإِسلام، و { ٱلسِّلْمِ } - بفتحها - للمسالمة، وأنكر المبرد هذه التفرقة. قال الفخر الرازى وأصل هذه الكلمة من الانقياد. قال - تعالى -إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } والإِسلام إنما سمى إسلاما لهذا المعنى. وغلب اسم السلم على الصلح وترك الحرب، وهذا أيضاً راجع إلى هذا المعنى. لأن عند الصلح ينقاد كل واحد إلى صاحبه ". و { كَآفَّةً } أى جميعاً. وهى فى الأصل صفة من كف بمعنى منع، واستعملت بمعنى الجملة والجميع بعلاقة أنها مانعة من التفرق وهى حال من قوله { ٱلسِّلْمِ } أى يأيها المؤمنون ادخلوا فى الإِسلام والتزموا بكل تعاليمه، ونفذوا جميع أحكامه وآدابه، واعملوا بكل أوامره ونواهيه، ولا تكونوا ممن يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. فالمقصود التزام جميع شرائع الإِسلام وأحكامه وآدابه. وبعضهم يرى أن قوله { كَآفَّةً } حال من فاعل ادخلوا وهو ضمير الجماعة والمعنى عليه ادخلوا فى الإِسلام جميعاً، وانقادوا لأحكامه مجتمعين غير متفرقين، لأنه الدين الذى ألف الله به بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً. وسواء أكان لفظ { كَآفَّةً } حالا من { ٱلسِّلْمِ } أو من فاعل { ٱدْخُلُواْ } فالمقصود من الآية دعوة المؤمنين إلى التمسك بجميع شعب الإِسلام وشرائعه مع التزامهم برباط الإِخاء الذى ربط الله به بين قلوبهم بسبب اتباعهم لهذا الدين الحنيف. وإذا كان المراد بكلمة { ٱلسِّلْمِ } المسالمة والمصالحة كان المعنى يأيها الذين آمنوا إن إيمانكم يوجب عليكم فيما بينكم أن تكونوا متصالحين غير متعادين، متحابين غير متباغضين، متجمعين غير متفرقين، كما أنه يوجب عليكم بالنسبة لغيركم ممن هو ليس على دينكم أن تسالموه متى سالمكم، وأن تحابوه متى اعتدى عليكم، فإن دينكم ما جاء للحرب والخصام وإنما جاء للهداية وللسلام العزيز القوى الذى يرد الاعتداء بمثله. هذا هو المعنى الذى نراه ظاهراً فى الآية، وهو ما سار عليه المحققون من المفسرين. وبعضهم ذكر أن الخطاب فى الآية لمؤمنى أهل الكتاب، لما روى عن ابن عباس أنه قال نزلت فى عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبى صلى الله عليه وسلم وآمنوا بشرائعه وشرائع موسى عليه السلام - فعظموا السبت وكرهوا لحم الإِبل وألبانها بعد أن أسلموا، فأنكر عليهم المسلمون فقالوا، إنا نقوى على هذا وهذا وقالوا للنبى صلى الله عليه وسلم إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنعمل بها فأنزل الله هذه الآية. فالخطاب لمؤمنى أهل الكتاب. وبعضهم ذكر أن المراد بالآية المنافقون والتقدير يأيها الذين آمنوا بألسنتهم ادخلوا بكليتكم فى الإِسلام ولا تتبعوا خطوات الشيطان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7