الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

تعتبر هذه الآية الكريمة من أجمع الآيات التى وردت فى القرآن الكريم مبينة ما يتعلق بأحكام الحج وآدابه، وسنحاول - بعون الله - أن نبين ما اشتملت عليه من آداب سامية، وتوجيهات حكيمة، بأسلوب هو إلى الإِيجاز أقرب منه إلى الإِسهاب والإِطناب، قاصدين عدم التعرض لتفريعات الفقهاء واختلافاتهم إلا بالقدر الذى يقتضيه المقام. والحج فى اللغة القصد يقال حج فلان الشىء إذا قصده مرة بعد أخرى. وفى الشرع القصد لزيارة بيت الله الحرام فى وقت مخصوص بأفعال مخصوصة، وبكيفية مخصوصة، بينتها الشريعة الإِسلامية. والعمرة فى اللغة الزيارة، مأخوذة من العمارة التى هى ضد الخراب ثم أطلقت على الزيارة التى يقصد بها عمارة المكان. وفى الشرع زيارة بيت الحرام للتقرب إليه، وقد بين النبى صلى الله عليه وسلم أركانها وشروطها وكيفيتها. وقد كانت شعيرة الحج والعمرة معروفتين عند العرب قبل الإِسلام، ولكن بأفعال وبكيفية فيها الكثير من الأباطيل والأوهام، فجاءت شريعة الإِسلام فوضعت لهما أفضل الأحكام، وأسمى الآداب، وأمر النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يسيروا فى أدائها على الطريقة التى سار عليها فقال " خذوا عنى مناسككم ". قال ابن كثير " وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلها فى ذى القعدة عمرة الحديبية فى ذى القعدة سنة ست، وعمرة القضاء فى ذى القعدة سنة سبع، وعمرة الجعرانة فى ذى القعدة سنة ثمان، وعمرته التى مع حجته أحرم بهما معاً فى ذى القعدة سنة عشر. وما اعتمر فى غير ذلك بعد هجرته ". وقد اختلف العلماء فى المقصود من الإِتمام فى قوله - تعالى - { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ } فبعضهم يرى أن المراد بإتمامهما إقامتهما وإيجادهما وإنشاؤهما فيكون المعنى أقيموا الحج والعمرة لله أى أدوهما وائتوا بهما. فالأمر فى " أتموا " منصب على الإِنشاء والأداء. فهو كقوله - تعالى -ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ } وأصحاب هذا الرأى يرون أن العمرة واجبة كالحج، لأن الله - تعالى - أمر بهما معاً، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " تابعوا بين الحج والعمرة.. ". وإلى هذا الرأى أتجه سعيد بن جبير، وعطاء، وسفيان الثورى، والشافعية. ويرى كثير من الصحابة والتابعين والفقهاء كالأحناف والمالكية - أن المراد بإتمامهما الإِتيان بهما تامين بمناسكهما المشروعة لوجه الله - تعالى - وأن على المسلم إذا شرع فيهما أو فى أحدهما أن يتمه ويأتى به كاملا، كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فى عمرة القضاء. فيكون المعنى ائتوا بالحج والعمرة كاملى الأركان والشروط والآداب خالصين لوجه الله - تعالى -.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7