الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قال ابن كثير قال أبو جعفر الرازى عن الربيع بن أنس عن أبى العالية فى قوله - تعالى - { وَقَاتِلُواْ فى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } قال هذا أول آية نزلت فى القتال بالمدينة فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزلت سورة براءة. ويرى بعض العلماء أن هذه الآيات قد وردت فى الأذن بالقتال للمحرمين فى الاشهر الحرم إذا فوجئوا بالقتال بغياً وعدواناً. فهى متصلة بما قبلها أتم الاتصال، لأن الآية السابقة بينت أن الأهلة مواقيت للناس فى عباداتهم ومعاملاتهم عامة وفى الحج خاصة وهو فى أشهر هلالية مخصوصة كان القتال فيها محرماً فى الجاهلية. فقد أخرج الواحدى عن ابن عباس أن هذه الآيات نزلت فى صلح الحديبية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صده المشركون عن البيت الحرام - ثم صالحوه فرضى على أن يرجع عامه القابل ويخلوا له مكة ثلاثة أيام يطوف ويفعل ما يشاء فلما كان العام القابل تجهز هو وأصحابه لعمرة القضاء وخافوا ألا تفى لهم قريش، وأن يصدوهم عن المسجد الحرام بالقوة ويقاتلوهم وكره أصحابه قتالهم فى الحرم والشهر الحرام فأنزل الله - تعالى الآيات. والقتال والمقاتلة محاولة الرجل قتل من يحاول قتله، والتقاتل محاولة كل واحد من المتعاديين قتل الآخر. قال أبو حيان وقوله { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } السبيل هو الطريق. واستعير لدين الله وشرائعه لأن المتبع لذلك يصل به إلى بغيته الدينية والدنيوية، فشبه بالطريق الموصل الإِنسان إلى ما يقصده، وهذا من استعارة الأجرام للمعانى ويتعلق { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } بقوله { وَقَاتِلُواْ } وهو ظرف مجازى، لأنه لما وقع القتال بسبب نصرة الدين صار كأنه وقع فيه، وو على حذف مضاف والتقدير فى نصرة دين الله. والمراد بالقتال فى سبيل الله الجهاد من أجل إعلاء كلمته حتى يكون أهل دينه الحق أعزاء لا يسومهم أعداؤه ضيماً، وأحراراً فى الدعوة إليه وإقامة شرائعه العادلة فى ظل سلطان مهيب. أى قاتلوا أيها المؤمنون لإِعلاء كلمة الله وإعزاز دينه أعداءكم الذين أعدوا أنفسهم لقتالكم ومناجزتكم وتحققتم منهم سوء النية، وفساد الطوية. فالآية الكريمة تهييج للمؤمنين وإغراء لهم على قتال أعدائهم بدون تردد أو تهيب، وإرشاد لهم إلى أن يجعلوا جهادهم من أجل نصرة الحق، لا من أجل المطامع أو الشهوات. فقد روى الشيخان أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن أبى موسى - رضى الله عنه - " أن أعرابياً أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه - أى ليتحدث الناس بشجاعته وليظهر بينهم - أى ذلك فى سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8