الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

ورد فى سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه ابن أبى حاتم عن أبى العالية قال " بلغنا أن بعض الناس قالوا يا رسول الله، لم خلقت الأهلة فنزلت ". والأهلة جمع الهلال، وهو الكوكب الذى يبزغ فى أول كل شهر، ويسمى هلالا لثلاث ليال أو لسبع ليلا من ظهوره، ثم يسمى بعد ذلك قمرا إلى أن يعود من الشهر الثانى. قال بعضهم وهو مشتق من استهل الصبى إذا بكى وصاح حين يولد، ومنه أهل القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية، وسمى بذلك لأنه حين يرى يهل الناس بذكره أو بالتكبير، ولهذا يقال أهل الهلال واستهل. والمواقيت جمع ميقات بمعنى الوقت، وهو ما يقدر لعمل من الأعمال وقيل الميقات منتهى الوقت. والمعنى يسألك بعض الناس عن الحكمة من خلق الأهلة، قل لهم - يا محمد - إن الله - تعالى - قد خلقها لتكون معالم يوقت ويحدد بها الناس صومهم، وزكاتهم، وحجهم، وعدة نسائهم، ومدد حملهن، ومدة الرضاع، وغير ذلك مما يتعلق بأمور معاشهم. قال - تعالى -هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } وخص الحج بالذكر مع أن الأهلة مواقيت لعبادات أخرى كالصوم والزكاة للتنبيه على أن الحج مقصور وقت أدائه على الزمن الذى عينه الله - تعالى - وأنه لا يجوز نقله إلى وقت آخر كما كانت العرب تفعل، إذ كانوا ينقلون ما شاؤوا من الأشهر الحرم الأربعة التى من جملتها ذو الحجة إلى شهر آخر غير حرام، وهو النسىء المشار إليه بقوله - تعالى -إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فى ٱلْكُفْرِ } وخص الشارع المواقيت بالأهلة وأشهرها دون الشمس وأشهرها، لأن الأشهر الهلالية تعرف برؤية الهلال ومحاقه، وذلك ما لا يخفى على أحد من الخاصة أو العامة أينما كانوا بخلاف الأشهر الشمسية. فإن معرفتها تنبنى على النظر فى حركات الفلك وهى لا تتيسر ألا للعارفين بدقائق علم الفلك. هذا، ومن الروايات التى وردت فى سبب نزول هذه الآية ما رواه أبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس قال نزلت فى معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم قالا يا رسول الله. ما بال الهلال يبدو - أو يطلع - دقيقاً مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان، لا يكون على حال واحد؟ فنزلت. وعلى هذه الرواية يكون الجواب بقوله - تعالى - { قُلْ هى مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ } من قبيل أسلوب الحكيم، وهو إجابة السائل بغير ما يتطلبه سؤاله، بتنزيل سؤاله منزلة غيره، تنبيها له على أن ذلك الغير هو الأولى بالسؤال لأنه هو المهم بالنسبة له.

السابقالتالي
2 3